إن أردنا إلا إحسانًا وتوفيقًا

  • 104

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله تعالى: "فَكَيفَ إِذا أَصابَتهُم مُصيبَةٌ بِما قَدَّمَت أَيديهِم ثُمَّ جاءوكَ يَحلِفونَ بِاللَّهِ إِن أَرَدنا إِلّا إِحسانًا وَتَوفيقًا"؛ فهذه حجة المنافقين في كلِّ زمان ومكان في معارضتهم لشرع الله وإعراضهم عنه، والحجة الأولى هي: ادعاء المصلحة والإحسان فيما فعلوه، كما قال تعالى: "وَإِذا قيلَ لَهُم لا تُفسِدوا فِي الأَرضِ قالوا إِنَّما نَحنُ مُصلِحونَ".

فهم أصل الفساد ثم يدعون الإصلاح فيما يفعلون من نشر الكفر والفسق والخروج عن شرع الله تعالى!

والحجة الثانية هي: التوفيق بين الوحي وما يعارضه، وهذا أصل جامع يدخل فيه كل المعارضين للوحي، فمعارضو الوحي من الفلاسفة والمتكلمين يزعمون التوفيق بين النقل والعقل!

ومعارضوه من المتفقهة يزعمون التوفيق بين النص والرأي الفاسد.

ومعارضوه من المتصوفة يزعمون التوفيق بين الشريعة والحقيقة، أو بين النص والذوق والوجد.

ومعارضوه من الساسة يزعمون التوفيق بين الدين والمصلحة.

ومعارضوه من العلمويين يزعمون التوفيق بين الدين والعلم التجريبي.

وهذا كله زعم فاسد، فإن الدين الحق لا يتعارض مع واحدٍ مِن هذه الخمسة؛ لا العقل السليم، ولا القياس الصحيح، ولا الذوق الإيماني، ولا المصلحة المعتبرة، ولا الحقائق العلمية، وإنما يقع التعارض بين الدين المحرَّف أو هذه الخمسة الفاسدة: كالعقل الفاسد، أو القياس الفاسد، أو الذوق الشيطاني، أو المصلحة المهدرة، أو ما لم يثبت علميًّا من الافتراضات أو النظريات.

وجماع ذلك كله في ترك الهدى المنزَّل واتباع الهوى والظن الكاذب، كما قال تعالى: "إِن هِيَ إِلّا أَسماءٌ سَمَّيتُموها أَنتُم وَآباؤُكُم ما أَنزَلَ اللَّهُ بِها مِن سُلطانٍ إِن يَتَّبِعونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهوَى الأَنفُسُ وَلَقَد جاءَهُم مِن رَبِّهِمُ الهُدى".