استعدوا لأعظم مواسم الجهاد

  • 68

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فكأن الحديث عن الجهاد صار أمرًا محفوفًا بالمخاطر، فقد التبست كثير من الأمور في العقود الأخيرة؛ بسبب ما ألصق بهذا المفهوم مِن افتراءات ممَّن حرفوا معناه عن حقيقته بممارساتهم، أو ممَّن تعمدوا تشويه صورته وحقيقته عند الناس انتقاصًا من الإسلام، وصرفًا للناس عنه.

وعلى العموم فمفهوم الجهاد مفهوم واسع لا يقتصر على جهاد المعركة على الإسلام والمسلمين، بل يشمل جهاد النفس، وجهاد الشيطان؛ فهو مفهوم عظيم يثير في النفوس عزة وقوة وافتخارًا؛ لأنه يمثل مرحلة حيوية ومهمة في حياة المسلم الذي يسعى دائمًا لتطوير ذاته والانتقال بها من حال النقص إلى مراحل الكمال. 

وتأتي فريضة الصيام وشهر رمضان المبارك ليمثل هذا الميدان الفسيح لتأهيل الإنسان لما يصبو إليه من كمال روحه وصفاء نفسه ونقاء سريرته؛ فالجهاد هنا هو: انتصار في معركة النفس الإنسانية أولًا، وهزيمتها في نوازع الشر والعدوان والأنانية والبخل، والنهوض بها من مذلات الشهوات واستعباد المغريات والمثيرات، وانحطاط الأهواء، وسفه الآراء؛ حتى ترتقي في سلم الصعود نحو المكارم والمعالي.

جهاد يحقق فيه الإنسان إنسانيته ويتخلى عن غرائزه الحيوانية؛ فما الذي يتميز به الإنسان إذا صارع أخاه ليأكل حقه أو ينتهك حرمته أو يسلبه ماله؟!

فالحيوان لا عقل له يميز به بين الحق والباطل، والخير والشر، إنما تحركه غريزة؛ متى جاع أكل ولو لم يكن حقه، ومتى اشتهى فعل فلا حدود عنده. 

وجهاد المسلم لنفسه وللشيطان يجعله يقف عند حدودها لا يتخطاها، فيعرف للآخرين حقوقهم فيؤديها. 

وهنا ترتقي النفس الإنسانية وتتذوق معنى الانتصار الأول في ميدان الداخل على عدوها القريب، فتعيش مع هذا حياة الأمن والطمأنينة؛ حياة يبني الإنسان فيها جسور العبور من جحيم الشرور المحدقة به إلى شطآن الأمل والخير الذي ينعم به في الأرض وعند الله في الآخرة.