تنبيهات حول بعض الخطابات المتعلقة بالفتن

  • 46

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمع الأحداث الكبرى: كالحروب، ينتشر نوعان من الخطاب، أو بالأحرى (الخرافات)، وهي خطابات كلها تدور في إطار التنبؤ بالمستقبل، ولكن بعضها يخرج في إطار التحليل السياسي، والثاني يخرج في إطار (علامات الساعة).

أما الأول: فيأخذ طابع التحليلات السياسية التي تصدر -غالبًا- عن مهاويس نظريات المؤامرة.

ولا أقصد بذلك نفي وجود مؤامرات يحيكها أهل الباطل ودول الكفر ضد أهل الإسلام، فالله تعالى أخبرنا بأن ذلك الكيد مستمر إلى يوم القيامة، كما قال تعالى: "وَلا يَزالونَ يُقاتِلونَكُم حَتّى يَرُدّوكُم عَن دينِكُم إِنِ استَطاعوا"، والآيات والأحاديث الدالة على مكر الكفار بالمسلمين وكيدهم لهم أكثر من أن تحصر؛ وكيف يُنْكر ذلك أو يستهزأ به ونحن نراه واقعًا عيانًا؟! فهل كيد دول الكفر لأهل الإسلام واستعمارهم لبلادهم ونهبهم ثرواتهم وضغطهم بكل وسائل الضغط لنشر الكفر والإلحاد والشبهات على الإسلام وإثارة القلاقل والفتن بكل أنواعها في بلاد الإسلام؛ هل يحتاج إثبات هذا لدليلٍ؟!

وليس يصح في الأذهان شيء                      إذا احتاج النهار إلى دليل

ولكن نظرية المؤامرة كغيرها من الأفكار صارت عرضة للإفراط والتفريط؛ فهناك مَن بالغ جدًّا في إثباتها، وجعلها السبب الخفي وراء جميع الأحداث، دون إدراك للأسباب الموضوعية التي تقف وراء الأحداث وتطوراتها، فالسياسة عَالَم معقد تشتبك فيه المصالح والحسابات بشكلٍ يجعلها عصية على تفسيرها بسببٍ واحدٍ.

وكذلك تصور أن جهة خفية تحرك العالم بخيوط خفية، بحيث تكون إرادتها نافذة، وخططها محكمة لا يمكن صدها ولا تغييرها؛ هو تصور غير صحيح وغير واقعي؛ فضلًا عن كونه مسببًا للإحباط والقعود.

مع الأحداث الكبرى تشيع التحليلات السياسية التي لا تستند إلى عِلْمٍ صحيحٍ، فالتحليل السياسي لا يتوقف على امتلاك أدوات التحليل السياسي -رغم أهميتها-، ولكنه يفتقر إلى معرفة دقيقة ببواطن الأمور وخلفياتها الصحيحة، وليس ما تشيعه وسائل الإعلام كافيًا في ذلك؛ فالإعلام كما لا يخفى هو مِن أدوات الحروب والبروباجندا.

ولذلك ينبغي التعامل بتريث مع التحليلات السياسية، وعدم الغرق فيها، وتذكر قوله تعالى: "وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولًا"، وقوله تعالى: "وَإِذا جاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذاعوا بِهِ وَلَو رَدّوهُ إِلَى الرَّسولِ وَإِلى أُولِي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذينَ يَستَنبِطونَهُ مِنهُم".

وأما النوع الثاني فهو: الخطابات المتعلقة بأشراط الساعة، وربط هذه الأحداث بعلامات الساعة ونهاية العالم، وهو مسلك طالما جرَّ فتنًا على بلاد الإسلام؛ أقربها فتنة: (الجهيمان) وجماعته، الذين فتنوا بقضية المهدي، حيث ادَّعوه في أحد أصحابهم (المهدي القحطاني)، وتصوروا سيناريو مكتملًا حول ما سيحدث بعد إعلان المهدي عن نفسه، والخسف بالجيش الذي سيأتي لمحاربته في مكة التي سيعتصمون بها! وجَرَت أحداث وويلات على بلاد الإسلام لا تخفى.

وهو ما جعل شيخنا الدكتور محمد إسماعيل المقدم -حفظه الله- يكتب كتابه الرائع: (المهدي وفقه أشراط الساعة) الذي بيَّن فيه ضوابط التعامل مع أشراط الساعة وعلاماتها.

وللأسف: فإن كثيرًا من المسلمين ما زال يفتن بمثل هذا النوع من النبوءات والإخبار عن المستقبل، فما زال هناك مَن يروج ويصدق نبوءة (بسام جرار) حول زوال دولة إسرائيل عام ٢٠٢٢م، واعتبروا أن الحرب "الروسية - الأكرانية" تمهيد لهذه النبوءة، بل وبعض أتباع الرجل رسم خطط حياته على وَفْق هذه النبوءة!

ورغم تكرر هذه النبوءات الفاشلة في ١٩٩٧م، ونبوءة زوال العالم ٢٠٠٠م، وحرب هرمجدون، وعمر أمة الإسلام، وأصحاب الرايات السود وإسقاطها على طالبان، والسفياني (وتأويله بصدام)، إلخ هذه الخرافات رغم تكررها وثبوت كذبها؛ فإن أصحاب هذا النهج لا يتوقفون ولا ينزجرون، وأتباعهم في كل مرة يزيدون ولا ينقصون؛ ولذا يجب التذكير ببعض الضوابط المتعلقة بتناول أشراط الساعة.

ولعلي أذكرها في المقالة القادمة إن شاء الله تعالى.