أدركوا بركتهم وانشروا علومهم

  • 103

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلقد كان الأئمة في آخر عمرهم يدعون الناس لحمل العلوم عنهم، ويلفتون النظر إلى ذلك، حرصًا على توريث العلم، وامتداد الخير بعدهم؛ فها هو عبد الرحمن بن مهدي يقول: "كان زائدة يخرج إليهم فيقول: اكتبوا قبل أن أنسى".

وعن الزهري قال: "كان عروة يتألف الناس على حديثه".

وعن سعيد بن جبير قال: "أما أحد يسألني؟!".

وعن قتادة قال: "أتى على الحسن زمان، وهو يعجب ممَّن يدعو إلى نفسه، قال: فما مات حتى دعا إلى نفسه".

وكان علي رضي الله عنه يشكو عدم حملةِ العلمَ الذي أودعه، كما قال: "إن هاهنا علمًا لو أصبت له حملة!"، وغيرهم الكثير والكثير.

فإن بركة العلم نشره، وإن الله لا يقبض العلم انتزاعًا، ولكن يقبضه بقبض العلماء، وموت العالم ثلمة في الإسلام لا تسد، وكسر لا يجبر.

فلندرك علوم مشايخنا ولننهل منهم قبل أن نفقدهم، كما أدرك الإمام أحمد أولوية أن ينهل من علم الشافعي وإن شغله عن علو السند في بعض الأحاديث، وأدرك مسلم فضل البخاري حتى وقت أن انفض عنه الناس.

فانشروا علمهم -ولا تحوجوهم لطلب ذلك- قبل أن يفوت الأوان.

قيدوها مكتوبة ومسموعة ومرئية، وانشروها بكل الوسائل؛ فهذا من حقهم علينا.

ومَن استطاع أن ينفع نفسه وإخوانه ودعوته بشيء فليفعل.

ورب حامل فقه إلى مَن هو أفقه منه. 

والتوفيق بيد الله وحده، فاللهم اهدنا ووفقنا وسددنا.