مشكلات التربية في مرحلة الطفولة (7) مشكلة العناد (2)

  • 70

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالعناد المذموم هو: ما يتعلق بالسلوكيات السلبية، فيُظهر الطفل المخالفة للمخالفة والعصيان.

وهذه هي المشكلة التي يشكو منها كثير من المربين، ولعلاج هذه المشكلة نبيِّن الحقائق التالية كما ذكر علماء النفس:

- مرحلة الطفولة هي مرحلة التكوين للطفل، ومِن ثَمَّ لا بد وأن ينتبه لها الأبوان، وغالب الصفات المكتسبة بخيرٍ أو بشرٍّ تكون في هذه المرحلة، ولذلك تُعدُّ مرحلة الطفولة هي المسئولة عن ظهور العناد كمشكلة عند الأطفال، وهذا يُوجب على الوالدين أن ينتبها لتصرفات الطفل في هذه المرحلة، وأن يوجِّهاه التوجيه السليم الذي لا تكون معه هذه الظاهرة.

- الهدوء، والرفق، والتوافق ثم التوافق بين الوالدين في أسلوب التربية؛ فالجو الأسري الآمن الذي يسوده الحب والمودة، والرفق واللين، وحُسن التعامل بين الزوجين، والاحترام المتبادل له أثر عظيم في الثبات النفسي للطفل.

- إظهار محبته والعطف عليه، فكلما زاد الحب زاد التقبل والطاعة.

- والاعتدال في المعاملة: فتكون مطالب الأبوين من الطفل ممكنة التنفيذ، ومناسبة لواقعه؛ فمثلًا: بعض الأمهات خوفًا على الطفل تريد منه أن يلبس ثوبًا معينًا فوق ملابسه، أو يأخذ معه مظلة (شمسية)، وهو لا يحب ذلك، أو قد يتعرض للانتقاد من أقرانه ونحو ذلك؛ فعندئذٍ لا ينبغي أن يُجبر الولد على ذلك، وإنما يُعالج هذا التخوّف عليه بطريقة أخرى واقعية، أي: (تُعينه على البر)؛ ما أعظمها من كلمة: أن يعين الوالدان ولدهما على برهما!

- والحذر من التسلُّط والعسكرة في الأمر والنهي، ولا بد أن يكون الأمر والنهي برفق، وفي حدود المستطاع؛ فالله تعالى لا يكلِّف نفسًا إلا وُسعها وطاقتها، والقدرة مناط التكليف، قال عمر رضي الله عنه: " إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع "، وأن يكون ذلك لمصلحة الطفل، وليس تسلطًا عليه؛ بزعم أن يكون مطيعًا لوالديه في كل شيء.

وللأسف هناك من الأمهات من تفعل ذلك ولا تدري أنها ترتكب جُرمًا عظيمًا في حقِّ طفلها؛ وأنها تُفقده شخصيته، وتضعفها، بل وتُذيبها؛ فينشأ معدوم الشخصية، يتسلط عليه الآخرون حتى زوجته فيما بعد، بل لا بد من التربية على قوة الشخصية والصلابة في الحقِّ، والإصرار والصمود من أجل تحقيق أهدافه وغاياته المحمودة -كما سبق بيانه-، لا أن تُميت فيه هذه الأخلاق النبيلة؛ فمثلًا: طفل لا يحب نوعًا معينًا من الطعام فتصمم الأم أو الأب على أن يأكله قسرًا، فمِن هنا ينشأ الرفض والمخالفة (العناد)، ثم ينمو هذا السلوك مع كثرة الأوامر الخاطئة، حتى يكون عنادًا مرضيًا يحتاج إلى علاج! فلِمَ نفعل ذلك بأيدينا ثم بعد ذلك نشتكي، ونقول: طفلي عنيد؟!

- ولا بد من تنفيذ مطالبه النافعة له في حدود الممكن أيضًا، بعيدًا عن التدليل الزائد بتنفيذ جميع ما يطلبه، وإن كان خطأً.

- فماذا لو كان المطلب صوابًا، وفي حدود الإمكان، والطفل يعاند في تنفيذه؟!

ومثاله في هذا السن: ما يتعلق بمصلحته: كالطهارة والاستحمام، والنوم مبكرًا، والذهاب للحضانة، وكتابة الواجبات، وحفظ المقرر من القرآن، ونحو ذلك.

فهنا لابد من العلاج، ولابد أن يُنفّذه، لكن بالتدرج في آليات التنفيذ.

- أولًا: الرفق واللين، وإقناعه بما يؤمر به، بالحوار البنَّاء، ومعلوم أن مَن شارك في قرارٍ تحمَّس لتنفيذه.

- مساعدته في تنفيذه بمرونة، وبطريقة مشوقة؛ فمثلًا: الطفل الذي يرفض الاستحمام، يمكن إقناعه بأهميته عن طريق اللعب في الماء مثلًا، المهم لا بد أن ينفذ النافع له بجميع الطرق الممكنة.

- عدم الانشغال عن الطفل بالاستغراق في تتبع مواقع التواصل أو غيره؛ مما يجعله يُظهر عنادًا لجذب الانتباه أو الاهتمام.

- إعطاء الوقت الكافي للطفل تعليمًا وتهذيبًا وملاعبة، ومن خلال اللعب المشوق الهادف يكون التوجيه والتنفيذ.

- الثبات في المعاملة: فالتباين في الموقف الواحد بالشدة تارة، والتساهل أخرى، يُولّد عنده عدم احترام للقواعد، وتهاونًا بوالديه.

- لا يُستجاب له إذا أظهر غضبًا أو عصيانًا للأوامر والنواهي الصحيحة، وهذا يحتاج إلى صبر وثبات من الوالدين؛ فإنهما أمام حالة مرضية تحتاج إلى علاج.

ثانيًا: التهديد بالحرمان مما يحب إن لم ينفذه.

ثالثًا: التخويف بالضرب.

رابعًا: الضرب غير المبرّح -بضوابطه التي ذكرناها قبل- الذي يُشعر الطفل أن والديه غير راضيين عن عناده هذا.

وينبغي أن يكون الموقف واحدًا متحدًا من الوالدين، وإن عُوقب الطفل من قِبَل الأب، فتقوم الأم بدور المؤنِّب للطفل، ووجوب تقديم الاعتذار لأبيه، مع الوعد بعدم الرجوع إلى العناد مرة أخرى.

وإذا قامت الأم بهذه العقوبة؛ فعلى الأب أن يقوم بدور المؤنِّب أيضًا، وهكذا ...

فإذا وجد الطفل هذا الموقف المتحد، كان عونًا على صلاحه، وترْكه هذا السلوك المرفوض الذي يجب أن يتركه إلى ضده، وهو: الطاعة لوالديه اللذَين يأمرانه بما فيه خيره ومنفعته.

ثم الحذر الحذر من مقارنته بالآخرين؛ فلا يقال له: فلان ليس عنيدًا مثلك، ولا يُشكَى لآخرين بقول: عنيد؛ فهذا يُشعره بأنه قوي، ولا يُستطاع السيطرة عليه، ومِن ثَمَّ المزيد من العناد، وقد يكبر فيه هذا السلوك السيئ؛ لأنها شهادة أبويه له بذلك، وإنما يُمدح أمام الآخرين بقول: فلان مؤدب ومطيع!

ولنعلم أن عبارات الثناء والمدح خاصة أمام الآخرين لها دور كبير في صلاح الطفل وتغييره للأفضل.

وللحديث بقية إن شاء الله.