قواعد في الاستعداد لشهر رمضان (2)

  • 90

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فنستكمل القواعد المعينة على الاستعداد لهذا الموسم العظيم:

القاعدة الخامسة: إعداد بيان عن طاعاتك التي تريد فعلها في رمضان، وآخر عن عيوبك وذنوبك، وعاداتك السيئة التي تريد التخلص منها في رمضان، في برنامج واضح صارم، مراعيًا فيه عملك ووقتك واحتياجاتك الحياتية، وفهرس كتاب "رياض الصالحين" أو "الترغيب والترهيب" يعطيك في ذلك ما تصبو إليه، فأعظم فرصة للتعود على الطاعات وجعلها لازمة للنفس: شهر رمضان، وأفضل وقت للتعود على عادات حسنة، وترك العادات السيئة، والتخلص من الآفات والسيئات: شهر رمضان. 

فإذا كنت مدخنًا أو مبتلىً بالنظر أو الوسوسة أو العشق، أو إطلاق اللسان، أو غيرها؛ فبادر إلى تقييد كل هذا البلاء، وابدأ العمليات الجراحية في شهر رمضان، ولا تتذرع بالتدرج فإنه مخدر، بل اهجر الذنب، وقاطع المعصية، وابتُر العادة، ولا تجزع من شدة آلام ترك المعصية والعادة، فإنه ثمن العلاج الناجح، وضرورة الشفاء الباتّ الذي لا يغادر سقمًا.

ووجه كون شهر رمضان فرصة سانحة لعلاج الآفات والمعاصي والعادات، أنه شهر حمية؛ أي: امتناع عن الشهوات، والشهوات مادة النشوز والعصيان، كما أن الشياطين فيه تصفّد وهم أصل كل بلاء يصيب ابن آدم.

أضف إلى ذلك: جماعية الطاعة، حيث لا يبصر الصائم في الغالب إلا أمةً تصوم وتتسابق إلى الخيرات؛ فتضعف همته في المعصية، وتقوى في الطاعة، مع عزيمة النفس الصادقة للإصلاح، فيستأصل الداء بإذن الله.

القاعدة السادسة: محاسبة النفس:

والمقصود بها: فحصُ الطاعة ظاهرًا وباطنًا، وأولًا وآخرًا، بحثًا عن الثمرة، وليتدارك النقص والخلل، والمحاسبة تكون قبل العمل وأثناءه وبعده؛ أما قبله: فبالاستعداد له، واستحضار ما قصّر فيه حتى يتلافاه، والنية الصالحة فيه، وأما أثناؤه: فبمراقبة العمل ظاهرًا وباطنًا، أوله وآخره، والمحاسبة بعد العمل: تكون بالنظر في إحسانه وإخلاصه، وإعادة ذلك العمل.

وهذه المحاسبة إذا واظب عليها المرء صارت مسلكًا لا يحتاج إلى تكلّف ومعالجة، وسيجد أثر هذه المحاسبة وثمرتها تزايدًا في مقام الإحسان الذي سعى إليه كل السالكون، وهي أن يعبد الله كأنه يراه.

ومثل هذه المحاسبة ينبغي أن تكون في الخفاء بين الإنسان ونفسه، وإن استطاع أن يحاسب العبد نفسه كل يوم في رمضان وفي غيره فليفعل، وفي رمضان يحاسب نفسه على برنامجه الذي أعدَّه ما أدَّى منه وما ترك، وما تخلص من عيوبه وذنوبه، وتكون المحاسبة كمحاسبة الشريك الشحيح لشريكه، لا محاسبة المهلك لنفسه بأن يلتمس لها الأعذار في كلِّ ما يفعل، وينقلب منها راضيًا عن نفسه، قال عمر رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتهيأوا للعرض الأكبر، يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية"، وقال الحسن البصري: "إنما خَفَّ الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب على قوم أخذوا هذا الأمر بغير جدٍّ فلم يحاسبوا أنفسهم".

القاعدة السابعة: نبذ البطالة والبطالين، ومصاحبة ذوي الهمم:

وهذه قاعدة أساسية في حياة الإنسان كلها، وليس هناك أشأم على السائر إلى الله مِن البطالة وصحبة البطالين، فالصاحب ساحب، والقرين بالمقارن يقتدي، وفي قصة قاتل المائة نفس دليل واضح على ذلك؛ فلا بد أن يترك بلده بلد الباطلين وأصحاب المعاصي، إلى بلد بها صحبة صالحة يعبد الله معهم، فلو صحب الإنسان مَن يظنون أن قيام ساعة مِن الليل إنجاز باهر، ومَن يصلون التراويح في أكثر المساجد تقصيرًا للصلاة، ثم يسمرون بقية الليل بين البرامج أو المباريات أو صفحات الإنترنت، وهم يظنون أنهم من السابقين؛ فهو مغبون لن يعْدُو قدره، بل سيظل راضيًا عن نفسه مانًّا على ربِّه بتلك الدقائق التي أجهد نفسه فيها، ولكنه لو رأى الأوتاد مِن حوله تقف الساعات الطوال في تهجد وتبتل وبكاء (وهم مُتَقَالُّونْهَا)؛ فأقل أحواله أن يظل كسيرًا حسيرًا على تقصيره، وابحث عن شيخ مربٍّ من أهل السنة على منهج السلف؛ لتستفيد مِن هديه وسمته وعلمه.

والحمد لله أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.