• الرئيسية
  • المقالات
  • الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (66) الدِّين الإبراهيمي الحق يستلزم حجَّ بيت الله الحرام وقصده (5)

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (66) الدِّين الإبراهيمي الحق يستلزم حجَّ بيت الله الحرام وقصده (5)

  • 162

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقال الله تعالى: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران: 95-97).

الفائدة الرابعة: بركة الكعبة المشرفة أمر مشاهد محسوس؛ في الأرزاق والأقوات، والطاعات والعبادات، وغير ذلك، ومضاعفة أجر الصلاة فيه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ ‌مِائَةِ ‌أَلْفِ ‌صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

وقد طَرَد بعضُ العلماء ذلك في جميع العبادات؛ في الصيام، والصدقة، وقراءة القرآن والذِّكْر، ولا دليل صحيح على ذلك، والأحاديث في فضل رمضان بمكة ضعيفة، والله أعلم.

والناس يجدون من الهمة والعزيمة على الطاعة والقدرة على العبادة في الحَرَم ما لا يجدون في غيره، وهذا من بركة بيت الله الحرام، كما أن أحوال القلوب في الحرم وما حوله، يتضاعف الخير فيها، ويبعُد عنها الشر أكثر من غيرها.

ومن البركة العجيبة في ذلك: اتساع هذه البقعة الصغيرة لملايين البشر في الحج والعمرة؛ خاصة في المواسم، والله سبحانه وتعالى قد جعل هذا من بركة البيت؛ ولذا لا يُمنَع أحدٌ شرعًا مِن حج بيت الله الحرام ومن العمرة والطواف متى قَصَد ذلك وأراده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا ‌تَمْنَعُوا ‌أَحَدًا يَطُوفُ بِهَذَا الْبَيْتِ وَيُصَلِّي أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ ‌لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، فلا يصح منع الناس مِن الحج والعمرة، والأعداد يتسع لها مكان المشاعر ببركة الله عز وجل التي جعلها في هذه البقعة.

الفائدة الخامسة: الهداية الحاصلة ببيت الله الحرام لمَن قصده أو صلى إليه من آيات الله سبحانه؛ فهي هداية لكلِّ مِن قصده مَن العالمين "هُدَىً للعالمين"، ولعل هذه الهداية التي تحصل للعالم كله إذا قصدوا البيت هي السبب في مشروعية الحج والعمرة للصبيان وغير المميزين؛ لما يَحْدُث لهم من الهداية في مستقبل عمرهم؛ روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‌لَقِيَ ‌رَكْبًا ‌بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: (مَنِ الْقَوْمُ؟) قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ. فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: (رَسُولُ اللهِ)، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: (نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ).

بوَّب النووي رحمه الله على هذا الحديث: "باب صحة حج الصبي وأجر مَن حج به"، وقال: "فيه حُجَّة للشافعي ومالك وأحمد، وجماهير العلماء: أن حج الصبي منعقد صحيح يُثَاب عليه، وإن كان لا يجزيه عن حجة الإسلام، بل يقع تطوعًا، وهذا الحديث صريح فيه. وقال أبو حنيفة: لا يصح حجه؛ قال أصحابه: إنما فعلوه تمرينًا له ليعتاده فيفعله إذا بَلَغ، وهذا الحديث يرد عليهم.

قال القاضي: لا خلاف بين العلماء في جواز الحج بالصبيان، وإنما منعه طائفة من أهل البدع، ولا يُلتفَت إلى قولهم، بل هو مردود بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإجماع الأمة، وإنما خلاف أبي حنيفة في أنه هل ينعقد حجه، وتجري عليه أحكام الحج، وتجب فيه الفدية، ودم الجُبْرَان، وسائر أحكام البالغ؛ فأبو حنيفة يمنع ذلك كله، ويقول: إنما يجب ذلك تمرينًا على التعليم، والجمهور يقولون: تجري عليه أحكام الحج في ذلك، ويقولون حجه منعقد، يقع نفلًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل له حَجًّا. قال القاضي: وأجمعوا على أنه لا يجزئه إذا بلغ عن فريضة الإسلام" (انتهى من شرح النووي على مسلم).

الفائدة السادسة: الأمن الذي شَرَعَه الله لمن دخل الحرم ثابتٌ شرعًا بلا استثناء؛ إلا الساعة التي أحله الله لنبيه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وإلا مَن ارتكب جُرْمًا في الحرم، وأما كونًا: فهو في الأغلب الأعم كذلك، وقد يقع خوفٌ كاستثناء لمَن دَخَل الحرم كما حدث أيام حصار الحجاج لمكة أيام ابن الزبير، إلى أن قُتِل ابن الزبير رضي الله عنهما، وكذا أيام القرامطة، وغيرها: كأيام فتنة جُهيمان؛ فهذا لا ينافي أن الحَرَم في الأصل آمن في معظم الأحيان، وكل ما حدث من إخافةٍ لأحدٍ لم يرتكب جرمًا في الحرم؛ فهو مخالف للشرع.

فالواجب تأمين كل مَن دخل مكة؛ خاصة مَن قصد البيت للحج والعمرة والطواف مسلمًا؛ لأن الله حَرَّم مكةَ على المشركين، قال الله عز وجل: (‌إِنَّمَا ‌الْمُشْرِكُونَ ‌نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) (التوبة: 28)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (‌لَا ‌يَحُجُّ ‌بَعْدَ ‌الْعَامِ ‌مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ) (متفق عليه)، وباتفاق العلماء: لفظ الشرك هنا يعم اليهود والنصارى، وغيرهم مِن أهل الملل، وليس فقط عُبَّاد الأوثان.

وأما مَن ارتكب جُرْمًا يستوجب حدًّا أو تعزيرًا، ثم لجأ إلى الحَرَم: فالصحيح من أقوال العلماء: أنه لا يهيَّج، ولا يؤخذ في الحرم، بل يضيق عليه؛ فلا يُبايَع ولا يشترى منه، ولا يعامَل بأي وجوه المعاملة حتى يخرج مِن الحرم فيؤخذ حين إذًا؛ فيُعاقَب بما يستحق من حدٍّ أو تعزير.

ومِن أهل العلم مَن أجاز أخذه من الحرم، وليس بصحيح؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: "لو وجدتُ قاتلَ عمر في الحرم ما ‌نَدَهْتُهُ -أي: زجرته-" (أخرجه عبد الرزاق في مسنده)، وروى عبد الرزاق -أيضًا- والأزرقي في أخبار مكة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لو وجدتُ فيه -أي: في الحرم- قاتل الخطاب، ما مسستُه حتى يخرج".

أما مَن ارتكب الجُرْمَ في الحَرَم؛ فهو الذي انتهك حُرْمَة الحرم وأمانه؛ فيجب منعه مِن ذلك بعقوبته حدًّا أو تعزيرًا.

الفائدة السابعة: هذه الآية: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) هي التي يَبِين منها مقصود عنواننا من هذه السلسلة من مقالات: "الدين الإبراهيمي"، وهو: أن الحج من أركان دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم قديمًا وحديثًا؛ فقد حج إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وحجت سارة، وحج إسحاق، وحج إسماعيل صلى الله عليهم وسلم، وحج موسى صلى الله عليه وسلم، ويحج عيسى صلى الله عليه وسلم قبل يوم القيامة، قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما مَرَّ بوادي الأزرق: (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ، وَلَهُ ‌جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ) (رواه مسلم)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ ‌بِفَجِّ ‌الرَّوْحَاءِ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ لَيُثَنِّيَنَّهُمَا) (رواه مسلم)، وهذه الأحاديث في الصحيح، وقد سبق ذكرها وتخريجها.

فكل مَن اتبع إبراهيم صلى الله عليه وسلم على دينه وَجَب عليه الحج؛ لأن إبراهيم نادى بأمر الله له: (‌وَأَذِّنْ ‌فِي ‌النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 27-29).

فنادى إبراهيم: إن لله بيتًا فحجوه، وهذا الأمر للوجوب، والآيات والأحاديث تدل على وجوب الحج على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في شرعهم، ولكنهم ضيَّعوا ذلك، وتركوا هذه الفريضة، وتركوا تعظيم الكعبة واستقبالها؛ رغم النصوص الصحيحة في تعظيمها في التوراة؛ فهي جبال فاران التي استعلن منها الرب، أي: أنزل الكتاب الذي فيه أوضح البيان، وأعلنه وأصرحه عن وحدانية الله، وبيان أدلة هذه الوحدانية بأنواعها: توحيد الربوبية، والإلهية، والأسماء والصفات؛ فأعظم وأعلن كتاب تضمَّن التعريف بأسماء الله وصفاته، وحقوقه، هو: "القرآن العظيم"، بما لم يَرِد في الكتب السابقة، وإن كان يصدقها في أصل ما جاءت به.

وبرية فاران هي التي سَكَنها إسماعيل بنصِّ التوراة، وقد نصَّت التوراة أيضًا على أن الله استجاب لإبراهيم في إسماعيل، وأن الله يجعل منه أمة عظيمة يلي أمرهم اثنا عشر رئيسًا، وليس للعرب شأنٌ، ولا أن أمتهم سارت أمة عظيمة؛ إلا ببعثة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ومع هذا اليهود والنصارى أبوا ويأبون حج بيت الله الحرام، فقد سار الحج ركنٌ من أركان الدِّين الإبراهيمي الحق؛ دين الإسلام، دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأصبح تعظيمه وقصده في الصلاة علامة على الانتساب إلى هذا الدِّين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (‌مَنْ ‌صَلَّى ‌صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ ‌الْمُسْلِمُ) (رواه البخاري).

ومفهومه الواضح: أن مَن صلَّى غير صلواتنا الخمس بهيئتها المعروفة مِن: القيام والركوع والسجود، وأعداد الركعات؛ فليس بمسلمٍ إذا كان يصلي صلاة غيرها، ويأبى أن يصلي؛ لا بمجرد الترك الذي فيه الخلاف المعروف، ومَن استقبل قبلة غير الكعبة المشرفة؛ فليس بمسلم، قال الله تعالى: (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ).

فلا يصح أن ينسب أحدٌ إلى دين إبراهيم، وهو يأبى الحج، وهذا هو مقصود ما نُقِل عن الصحابة رضي الله عنهم في تكفير مَن لم يحج، وهو مَن يأبى الحج ويرفضه، ويرفض الانقياد لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بقصد البيت الحرام، وهو أمر إبراهيم صلى الله عليه وسلم كما أنه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسارت مسألة من مسائل الفرقان بين الحق والباطل.

وليس مجرد ترك الحج مع الإقرار بوجوبه، والعزم على فعله في المستقبل ولو كان قادرًا عليه الآن مِن هذا الباب؛ أما مَن يأبى ويقول: "إن الحج وثنية!"، كما يقوله زنادقة في زماننا! أو فيه مِن الوثنية: كتقبيل الحجر الأسود، أو أنه لا يقتنع بالطواف حول أحجار، ولا برجم أحجار، وكذا مَن يرى أو ترى: أن الأضحية غير مقبولة؛ لأنه ليس مِن المقبول أن تُزهق أرواح ملايين الحيوانات البريئة -كما تزعم- مِن أجل منام رآه بعض الصالحين؛ فهذا كله مِن الكفر والعياذ بالله، والردة الصريحة عن دين الإسلام؛ دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ودين إبراهيم وموسى وعيسى صلى الله عليهم وسلم أجمعين، وعلى كل الأنبياء.

فهذه الآية الكريمة تبيِّن بطلان الدعوة الجديدة المستحدثة التي خطط لها اليهودُ بعونٍ مِن نصارى الغرب بدينٍ موحَّدٍ بين المسلمين واليهود والنصارى؛ هدفه هدم الإسلام دون غيره من الأديان؛ لأنه الذي يقف في وجه مخططات اليهود.

هذا الدين المزعوم الذي لا توجد فيه أماكن مقدسة خاصة، بل المشترك منها فقط؛ يعنون المسجد الأقصى، ولا توجد فيه أماكن عبادة مستقلة، بل مجامع أديان للعبادة المشتركة، واعتماد الرقص كما يقوله "إلياس عميدون" زعيم الطريقة الصوفية العالمية، أحد مؤسسي ما يسمَّى بمسار إبراهيم الذي آخر خطوة فيه: الدين الإبراهيمي الجديد، بعد الولايات المتحدة الإبراهيمية في جمع دول منطقة الشرق الأوسط في كيانٍ واحدٍ بزعامة اليهود، حيث يقول في طريقته الصوفية العالمية، واعتماد الرقص كآلية لإزالة الخلافات بين الشعوب!

وهذا الرقص الذي يفعله اليهود الآن في المسجد الأقصى، وغيره من المساجد الإسلامية التي بُنِيت على التوحيد: كالمسجد الإبراهيمي؛ يفعلون ذلك في أعيادهم تدنيسًا منهم للمسجد الأقصى بخرافاتهم وسفاهة عقولهم، وهي خطوة أولى فقط، وسوف يمنعون بعدها المسلمين منه بالكلية إذا تمكَّنوا من ذلك، ونسأل الله أن لا يمكِّنهم أبدًا من ذلك.

كما فعل النصارى ذلك حين احتلوا القدس قبل أن يحررها صلاح الدين رحمه الله؛ فعندما أخذوا القدس في الحروب الصليبية رفعوا صليبًا عظيمة على قبة الصخرة، وجعلوا المسجد زريبة للخنازير، وإسطبلًا للخيول، ودنَّسوه بالنجاسات حتى طهَّره الله منهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وحرية العبادة ... شعار يرفعونه فقط؛ لخداع المسلمين، وها هي جرائمهم في المسجد طوال شهر رمضان وبعده، ومنع المسلمين من الصلاة فيه إلا بضوابط ابتدعوها، وكذا بعض المساجد الأخرى يمنعون المسلمين من الصلاة فيها أيامًا؛ ليؤدوا طقوس الرقص التي يسمُّونها: صلاة وعبادة! والله لا نقبلها ولا نرتضيها، ولا نرتضي هذا الدين الإبراهيمي الباطل المزعوم.

وأما زعيم أمريكا "بايدن" فيقول في تهنئته -غير المقبولة- للمسلمين بعيد الفطر: "إن أعياد الأديان الثلاثة اجتمعتْ هذا العام (يعني عيد الفصح عند اليهود - وعيد القيامة عند النصارى - وعيد الفطر عند المسلمين)، وهذه بالتأكيد رسالة -يعني بوضوح الدِّين الإبراهيمي الجديد، الباطل النسبة لإبراهيم عليه السلام-!".

ألم تكن هذه الأعياد عَبْر ثلاثة وثلاثين سنة مفترقة، وستظل كذلك حتى تأتي الدورة الجديدة التي تقترب فيها الشهور القمرية من الشهور الشمسية كل ثلاث وثلاثين سنة وثُلُث؛ لأن السنين القمرية أكثر من السنين الشمسية بتسع سنين، كل ثلاثمائة سنة؛ كل مائة ثلاث سنين، وكل ثلاث وثلاثين سنة وثلث بسنة، وبهذا تجتمع هذه الأعياد توافقًا؛ لا رسالة مِن الله، وإلا فالرسالة مِن الله حَمَلَها النبيُّ محمدٌ صلى الله عليه وسلم مجدِّدًا رسالة إبراهيم وموسى وعيسى صلى الله عليه وسلم ودينهم، قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، وقال عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)، فإن قبلتم يا أهل الكتاب الكلمة السواء: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).

إن قبلتم هذه الكلمة السواء وإلا فلكم دينكم ولنا ديننا، ونرفض دينكم الجديد المزعوم؛ فالله بريء منه، وأنتم من الله أبرياء: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).