الرشد (5) منابع الرشد

  • 173

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

4- التزام السنة:

لا بد من الالتزام الحقيقي للسنة والتسليم لها، وتقديمها على الهوى والشهوة، والعادات والتقاليد، ونبينا المصطفى هو أسوتنا وقدوتنا ودليلنا لمرضاة الله والجنة، "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة"؛ أمر الله تعالى بذلك وقال: "ومَن يطع الرسول فقد أطاع الله"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن رغب عن سنتي فليس مني"، الآيات والأحاديث كلها تحثُّ على التمسُّك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

فما علاقة ذلك بالرشد؟!

يحصل لك الرشد عندما تسلِّم نفسك للسُّنة، وتتعرَّف على السيرة العَطِرة، وكيف كان قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، وكيف بُعِث، وما الأضرار التي مرَّ بها في حياته في المرحلة المكية والمدنية، وما المواقف والأحداث التي مرَّت به، وكيف كان يتخذ القرار تحت الضغط، وكيف كان في بيته مع أزواجه، ومع أبنائه، ومع جيرانه، ومع أرحامه، كيف كان حاله في فرحه وترحه، في السراء والضراء، في الشده والكرب، في اليسر والعسر، كيف كان يحرك الصحابة ويوجههم، كيف كان يتعامل بفقه المصالح والمفاسد، وكيف كان يرتِّب الأولويات.

أنت تحتاج أن تعيش حياة السنة حتى تتعلم الرشد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان أميًّا، لم يكن يقرأ ولا يكتب، لكنه أوتي نصيبًا وافرًا، وحظًّا عظيمًا من الرشد، ويظهر ذلك جليًّا في مواقفه وقراراته وتصرفاته، أما عن أخلاقه وسلوكياته؛ فقد كانت تنبع بالرشد في حلمه وصبره، وتوكله وحيائه، وغير ذلك كثير.

٥- أن تلزم غرز الصحب الكرام:

وخصوصًا الخلفاء الأربعة ثم أهل بدر والبيعات؛ لأنهم رُبوا على يدي النبي صلى الله عليه وسلم حال نزول القرآن، فنالوا حظًّا وافرًا مِن الرشد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي"، وقد ذكرناها سابقًا، "وسنة الخلفاء الراشدين المهديين مِن بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ"، أي: تمسكوا بها بشدة، ولا تتركوها.

وصحَّ في الأثر: "إن يطع الناس أبا بكر وعمر؛ فقد رَشدوا أو رُشدوا"، فإن التزمتم بسنة الصديق، والفاروق ستصلون إلى الرشد، ويظهر الرشد جليًّا في خلافة الصديق والفاروق في الإخلاص والتعاملات، واتخاذ القرارات والأخلاق والسلوكيات، والزهد والورع، إلخ.

وقد نالوا شرفًا عظيمًا؛ فقد كان القرآن ينزل عليهم ليؤيدهم فيما ذهبوا إليه، وجاء أن القرآن نزل في عشرين موطن يؤيد ما ذهب اليه عمر رضي الله عنه في مواقف معينه أو مشكلة أو حَدَث، مثلًا تحدَّث النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة وتناقشوا في أمر "وأمرهم شورى بينهم"، فينزل القرآن على نحو ما قال عمر رضي الله عنه، نعم جرى الحق على لسان عمر وقلبه رضي الله عنه وأرضاه، نحتاج أن نعيش حياة الصحابة، وأن نفخر بأجدادنا، بهذا الرعيل الأول الذي قال الله عنهم وهذا يكفيهم، "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا"، أي: إلى الرشد، "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيَّن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي"، فهؤلاء المؤمنين هم النبي والصحابة الكرام رضي الله عنهم، ورضوا عنه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار؛ فعش حياة الصحابة وابحث في مواقفهم لتصل إلى الرشد.

ومن المحزن أن يكون أولادنا يحفظون أسماء لاعبي دوري الكرة، ولم يحفظوا أسماء العشرة المبشرين بالجنة، فلو عشنا حياة هؤلاء الكرام سنسمو ونرتقي.

٦- إلزام غرز العلماء:

وهو ما ندندن حوله فيما سبق، فعند اشتداد الفتن عند الأحداث العظام عند الابتلاءات، عند كثرة العراقيل والعقبات كيف تتصرف؟ هل ترجع إليهم؟ هل لك ارتباط بهم؟ هل لك تواصل معهم؟

لو لم يكن كذلك فأنت في خطر عظيم "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه"، توجَّه إليهم سيرشدونك كيف تتصرف، كيف تأخذ القرار الصائب فمِن هؤلاء الذين لم يكن لهم مرجعية من العلماء، اندفع وتسرع في اتخاذ القرارات، وذلك أدَّى إلى صدام مبكر أكل الأخضر واليابس.

أيها الشباب أين نحن من علمائنا؟

لا بد أن نرتبط بهم وأن نسأل عنهم، ونتتبع أخبارهم، ونسألهم في صغير الأمر وكبيره؛ فهم بالتأكيد أدرى منا في كل شيء؛ حتى في مصالحنا الشخصية، فارجع إليهم فعندهم الحل، وسيدلونك على كلِّ ما هو خير.

وفي النهاية -يا أبنائي ويا إخواني-: أردتُ أن أبيِّن لنفسي، ولكم أننا في مرحلة عصيبة تحتاج منا إلى مزيدٍ مِن الرشد، فلو صدقنا في طلب الرشد سنناله حتمًا كما بشَّرنا النبي صلى الله عليه وسلم، "إن تصدق الله يصدقك"، "ومَن يتحرَّ الخير يعطه".

والحمد لله رب العالمين.