عاجل

مشكلات التربية في مرحلة الطفولة (9) مشكلة العناد (4)

  • 183

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سوق مِن أسواق المدينة، فانصرف، فانصرفتُ، فقال: "أين لُكَعُ -ثلاثا-؟ ادعُ الحسن بن علي"، فقام الحسن بن علي يمشي، وفي عنقه السِّخَاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بيده هكذا، فقال الحسن بيده هكذا، فالتزمه فقال: "اللهم إني أُحبه فأَحبَّه، وأَحبَّ من يحبه"، وقال أبو هريرة: "فما كان أحدٌ أحب إليَّ من الحسن بن علي، بعد ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال".

لكع: أي: صغير الجسم.

السخاب: القلادة من طيب، ليس فيها ذهب ولا فضة، أو هي من خرز أو قرنفل.

فالتزمه: فاعتنقه.

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، وَالْأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ. فَقَالَ: يَا غُلَامُ! أَتَأْذَنُ أَنْ أُعْطِيَهُ الْأَشْيَاخَ؟ فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأُوثِرَ بِفَضْلٍ مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ".

وفي هذا الحديث: أن مَن استحق شيئًا من الأشياء لم يدفع عنه صغيرًا كان أو كبيرًا؛ إذا كان ممَّن يجوز إذنه" (عمدة القاري).

وفيه: احترام عظيم لكيان الطفل.

وقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ"، قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ، فَقَالَ: "قُولُوا: نَعْلَمُ أَوْ لاَ نَعْلَمُ"، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَالَ عُمَرُ: "يَا ابْنَ أَخِي قُلْ وَلاَ تَحْقِرْ نَفْسَكَ"، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: "أَيُّ عَمَلٍ؟"، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: "لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ، فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ".

"في الحديث قوة فَهْم ابن عباس رضي الله عنهما، وقُرْب منزلته من عمر، وتقديمه له من صغره، وتحريض العالم تلميذه على القول بحضرة مَن هو أسن منه، إذا عرف فيه الأهلية؛ لما فيه مِن تنشيطه، وبسط نفسه وترغيبه في العلم" (فتح الباري)؛ فأي احترام لكيان الصغير، وزرع الثقة بنفسه بعد هذا الاحترام؟!

- إظهار المحبة للطفل، والابتسامة في وجهه، ومقابلته بالبشر، واعتناقه وتقبيله.

قد مرّ بنا حديث اعتناق النبي صلى الله عليه وسلم للحسن، وكذا حديث يعلى بن مرة رضي الله عنه: "أنَّهم خرجوا معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إلى طَعامٍ دُعوا لَهُ، فإذا حُسَيْنٌ يلعَبُ في السِّكَّةِ، قالَ: فتقدَّمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أمامَ القومِ، وبَسطَ يديهِ، فجعلَ الغلامُ يفِرُّ ها هُنا وَها هُنا، ويضاحِكُهُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ حتَّى أخذَهُ، فجعلَ إحدى يديهِ تحتَ ذقنِهِ، والأخرى في فأسِ رأسِهِ (مؤخرة رأسه) فقبَّلَهُ، وقالَ: حُسَيْنٌ منِّي، وأَنا مِن حُسَيْنٍ، أحبَّ اللَّهُ من أحبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سبطٌ منَ الأسباطِ " (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

إنه لمنظر جميل! يفتح النبي صلى الله عليه وسلم للحسين يديه ليضمه، والطفل يضحك، ويفر مسرورًا يمينًا وشمالًا كعادة الطفل المسرور الآمن، ويضاحكه صلى الله عليه وسلم ويأخذه؛ فيضمه ويقبله!

وهذا ما يحتاجه الطفل من أبويه؛ تنمية للاعتداد والثقة بنفسه.

- اللعب جزء مِن حياة الأطفال، كما رأينا الحسين يلعب في الطريق، وكان لعائشة رضي الله عنها لعب تلعب بها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسرِّب لها صويحباتها؛ لتلعب معها، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ؛ فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي" (رواه البخاري).

وفي حديث لعب الحبشة بالحراب في المسجد، قالت عائشة رضي الله عنها: "فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ، الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ" (متفق عليه).

ولا بد من أن يكون هذا اللهو مباحًا هادفًا، ولا بأس من مشاركة الوالدين للطفل لعبه وسروره، ومن خلاله يكون التوجيه، وزرع الثقة، والاعتماد على النفس.

- مجالسة الطفل، ومخالطته، والاستماع له، ومحاورته، وتعليمه ما ينفعه من خلال الحوار الدافئ.

فقد روي عن رافع بن عمرو قال: كنتُ وأنا غلامٌ أرمي نخلَنا -أو قالَ نخلَ الأنصارِ-، فأُتِيَ بيَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَ: "يا غلامُ -وقالَ ابنُ كاسبٍ: فقالَ: يا بنيَّ-، لِمَ ترمي النَّخلَ؟! قالَ: قلتُ: آكلُ، قالَ: فلا تَرْمِ النَّخلَ، وَكُل ممَّا يسقطُ في أسافلِها"، قالَ: "ثمَّ مَسحَ رأسي وقالَ: اللَّهمَّ أشبِع بطنَهُ" (رواه ابن ماجه، وضعفه الألباني).

حوار برِفْقٍ، وتعليمٍ، وإقناعٍ، ودعاءٍ.