• الرئيسية
  • المقالات
  • الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (70) عداوة اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وحسدهم لهم رغم أنهم من ذرية إبراهيم عليه السلام (4)

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (70) عداوة اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وحسدهم لهم رغم أنهم من ذرية إبراهيم عليه السلام (4)

  • 83

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا . أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا . أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا . فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) (النساء: 51-55).

الفائدة الثانية:

ما يقع في زماننا مِن تصويبِ بعض مَن ينتسب إلى الإسلام لجميع الملل؛ خاصة اليهودية والنصرانية، وتشبههم باليهود الذين كان إيمانهم بالجبت والطاغوت ليس عن اعتقادٍ منهم لصحة عبادة الأوثان، بل كان مجاملة للمشركين، في سبيل تحريضهم على الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين؛ فَذَمَّهم اللهُ أعظم الذمِّ، وجعلهم مؤمنين بالجبت والطاغوت كفارًا بالله مِن أجل ذلك!

فليحذر أهل الإسلام من ذلك؛ فإن كلَّ مَن رضيَ بعبادة غير الله ولو مِن غيره؛ فقد نقض شهادة: "أن لا إله الله"، ومَن صَحَّح مِلَّةَ منَ يكذِّب الرسول صلى الله عليه وسلم ويكذِّب القرآن "كلام الله"؛ فقد نقض شهادة: "أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وقد صار مِن الفتنة في زماننا أن يُمتحَن البعضُ في هذه المسألة؛ فإن قال بالحق الذي هو مذهب الأئمة الأربعة وأتباعهم، بل لا يُعلم فيه خلاف أصلًا عن أحدٍ مِن المسلمين؛ مُنِع من الإمامة والفُتيا والخطابة، وتولي أي وظيفةٍ دينيةٍ! لأنه عندهم تكفيري؛ لأنه يكفِّر اليهود والنصارى!

وهذا والله مِن الخطر العظيم، وتحريف الدِّين، ونشر الفساد في الأرض. فإلى الله المشتكى.

الفائدة الثالثة:

قولُ اليهود عن المشركين عُبَّاد الأوثان: (هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا)، هو أيضًا مِن المداهنة في الدِّين؛ فإن النهي عن اتخاذ الصور والأصنام في التوراة ثابت إلى زماننا هذا؛ ففي التوراة في (سِفْر الخروج الإصحاح 20): "لا يكن لكَ آلهة أخرى أمامي، لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا، ولا صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهن ولا تعبدهن" (انتهى).

ومع ذلك فقد قال اليهود للمشركين: (هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) مداهنة لهم؛ لكي يحققوا لهم ما يريدون مِن تجييش الجيوش، وتحزيب الأحزاب؛ لحرب النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وهم يقولون اليوم فيما يسمونه: بـ"الدِّين الإبراهيمي الجديد" الذي يروِّجون له، يقولون فيه بمساواة الملل! والبحث عما يسمونه: "القِيَم المشتركة بين الأديان"؛ حتى مع الهندوس -عُبَّاد البقر-، والبوذيين -عُبَّاد بوذا-؛ فضلًا عن النصارى الذين يكفِّرونهم، وكذا المسلمين.

ولا يجوز لمسلم أن يدعو إلى ما يُسَمَّى بالقِيَم المشتركة بين الأديان، مع إظهار المحبة للكفار الملحدين المائلين عن الحق؛ فإن هذه القِيَم المشتركة إن لم يكن معها عقيدة صحيحة، لا ينفع صاحبها شيءٌ مِن ذلك.

ومِن هذا الباب: ما يقع في زماننا مِن مداهنة الكثيرين لأهل الملل الأخرى، وتصحيح هذه الملل، والقول بأنهم أهدى سبيلًا ممَّن يسمونهم المتطرفين مِن الجماعات الإسلامية، وهم عندهم الذين لا يوافقونهم على أهوائهم في تحريف الدِّين، ومخالفة النصوص الصريحة، بل استنكر بعضُهم عدم تكفير الأزهر لـ"داعش، وجبهة النصرة، والقاعدة"، مع أنهم خوارج، ولكن لا يكفيهم التبديع، ولا يرضون إلا بالتكفير؛ مع أنهم لا يكفِّرون أهل الملل الأخرى!

وهذه المداهنة مما حذَّرنا الله عز وجل منها في كتابه، فقال: (‌وَدُّوا ‌لَوْ ‌تُدْهِنُ ‌فَيُدْهِنُونَ) (القلم:9)، وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: (وَإِنْ ‌كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا . وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا . إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) (الإسراء: 73-75).

وأمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يقول لمَن عَرَض عليه مِن الكافرين: نعبد إلهك سنة، وتعبد إلهنا سنة؛ فأنزل الله عليه: (قُلْ يَا أَيُّهَا ‌الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ . وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون: 1-6).

فلا يمكن أن يكون عابدًا لله مَن يشرك بالله عز وجل؛ حتى لو أقرَّ بوجوده، ولو صَرَف له أنواعًا مِن العبادات، كما كان المشركون يقولون: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك؛ إلا شريكًا هو لك، ملكته وما مَلَك"؛ فالشرك محبط للعمل، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ ‌وَإِلَى ‌الَّذِينَ ‌مِنْ ‌قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (الزمر: 65-66).

فإذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو يستحيل منه أن يقع منه معصية فضلًا عن الشرك؛ إذا أشرك حبط عمله؛ فكيف بمَن دونه؟! ولذا قال الله تعالى: (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ).

فكيف يقول مَن يَنْتسِب إلى الإسلام بأن: اليهود والنصارى، والمجوس، والبوذيين، والهندوس؛ كلهم نحبهم، وكلهم بينهم قَدْر مشترك، ولا يفسد الخلاف الذي بينهم للود قضية؟!

فنحن لا نحتاج اليوم إلى إبراز القِيَم المشتركة بين الأديان، بل نحتاج إلى إبراز القِيَم الفَارِقَة؛ فهذا الفرقان الذي أنزله الله بين الحق والباطل، وهو "القرآن العظيم"، وما بيَّنه الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لا بد وأن يُبَيَّن للناس؛ أن الإسلام هو الدِّين الحق، لا دين عند الله سواه، وهو دين إبراهيم، ودين موسى، ودين عيسى، ولا نداهن، ولا نقول كما قال رؤساء اليهود للمشركين: (هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا).

الفائدة الرابعة:

حَكَم اللهُ عز وجل باللعن على مَن دَاهَن في الدِّين، وقال عن المشركين: (هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا)، وهذا الطرد مِن رحمة الله والإبعاد عن جنته، طردٌ أبدي وخلود لصاحبه في نار جهنم، فالله عز وجل حَكَم بلعنهم، فقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا)؛ ولذلك فلا بد وأن يُخذَل هؤلاء "وأمثالهم ممَّن يُدَاهِن في الدِّين، وممَّن يسوي بين الحق والباطل".

واليهود لا بد وأن يزول نصرُهم، ولا بد أن يُهدَم سلطانُهم؛ لأنهم لا نَصِير لهم مِن الله؛ خاصة بعد ما ازدادوا كُفْرًا وعُدْوانًا؛ بانتهاك حُرُمات المسلمين، وبمحاولات تضليل المسلمين بما اخترعوا مِن "الدِّين الإبراهيمي الجديد"، ومَن وافق على هذا الدِّين ونَشَرَه، وخَرَج مِن الإسلام بسببه؛ فإنه ملعونٌ كما لُعِن هؤلاء، ومخذولٌ غير منصورٍ كما لم يُنصَر هؤلاء.

وللحديث بقية إن شاء الله.