والله إني لأحبك!

  • 71

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: "يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ"، فَقَالَ: "أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ".

ولا شك أن الحديث أبرز شرف وفضل معاذ رضي الله عنه الذي أقسم له النبي صلى الله عليه وسلم بحبه له، وهذا من أعلى المناقب والمنازل.

قال في عون المعبود: "(أخذ بيده) كأنه عقد محبة، وبيعة مودة. (والله إني لأحبك) لامه للابتداء. وقيل: للقسم. وفيه: أن مَن أحب أحدًا يستحب له إظهار المحبة له" (انتهى من عون المعبود).

فانظر رحمك الله إلى رحمة ورِفْق النبي الرحيم صلى الله عليه وسلم؛ كيف قدَّم بين يدي نصحه من وسائل وأدوات بيده ولسانه من شأنها أن تكون بإذن الله أعظم العون على قبول النصيحة، وإبراز المحبة للمنصوح من أعظم الأدلة على فضل ونفع النصيحة له؛ فهو نصيحة محب، مشفق عليك، لا نصيحة مؤنب أو متعالي عليك، قال له صلى الله عليه وسلم: "أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ".

فيها فضل الاستعانة بالله تعالى على مرضاته، وأن أحدًا لن يوفَّق لذلك إلا بعون الله وتوفيقه، وإلا خذل وعجز، فاستشعار العبد بهذا الفقر الدائم لله تعالى يدفعه دائمًا إلى سؤال الله العون والتوفيق على عبادته، وهذا معنى "إياك نعبد وإياك نستعين"، فتقول بقلبك قبل لسانك: اللهم إنا نعبدك ونحن عبيدك؛ فأعنا على عبادتك وطاعتك.

وهذا أيضًا مِن أعظم ما يُدفع به الكبر والعجب، كما قال ابن تيمية رحمه الله: "إياك نعبد: تدفع الرياء، وإياك نستعين: تدفع الكبرياء".

وقوله عليه الصلاة والسلام: "دبر كل صلاة": على قولين: إما آخر الصلاة، فإن دبر الشيء آخره، أو بعد الصلاة، وكلاهما تحتمله اللغة؛ قال أهل العلم: واللفظ إذا احتمل معنيين؛ فإنه يرجَّح أحدها بدليل أو قرينة تبيِّن المقصود.

وهذا الحديث قد جاء بلفظ يدل على أن المقصود بدبر الصلاة داخلها قبل الخروج منها، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: "فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ: رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ".

فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.