الحمد لله، والصلاة
والسلام على رسول الله، أما بعد؛
قال جابرُ بنُ عبدِ
اللهِ رضي الله عنهما: كُنَّا فِي غَزَاةٍ، فَكَسَعَ (فضَرَب) رَجُلٌ مِنَ
المُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا
لَلأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ
رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: "مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ؟"،
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ،
فَقَالَ: "دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ"، قَالَ جَابِرٌ: وَكَانَتِ
الأَنْصَارُ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ أَكْثَرَ، ثُمَّ كَثُرَ المُهَاجِرُونَ
بَعْدُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَوَقَدْ فَعَلُوا؟!
وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا
الأَذَلَّ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ
عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، قَالَ النَّبِيُّ: "دَعْهُ، لاَ يَتَحَدَّثُ
النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ. (متفق عليه).
- مآلات الأمور:
عَوَاقِبُ الأمور ونتائجها المُتوَقَعَة.
- "دَعُوهَا
فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ" أي: اترُكُوا دَعَوى الجاهلية؛ فإنها قبيحة مُؤذية.
- عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: رأسُ المنافقين، وهو مِن أهل المدينة.
- أَوَقَدْ فَعَلُوا؟!
أي: تكاثروا علينا في بلادنا وقَاتَلُونا.
الدروس المستفادة:
1- المنافقونَ في
المدينة كانوا يُظهِرون الإسلام، ويُبطِنون الكُفر.
2- الحكمةُ مِن عدم
قتل النبيِّ صلى الله عليه وسلم للمنافقين: أنه خَشِيَ أن يقع بسبب ذلك، تنفيرٌ
لكثيرٍ مِن الناس عن الدخول في الإسلام.
3- حِلْمُ النبيِّ صلى
الله عليه وسلم وصبره عَلَى بَعْض الْمَفَاسِد؛ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَتَرَتَّب
عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ أَعْظَم؛ بأن يُقال: "إِنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ
أَصْحَابَهُ".
وبالتالي:
- فالمفاسد الأقل:
هي عدم قتل المنافقين والصبر على فجورهم.
- والمفسدة الأعظم:
هي الخوف مِن تنفير الناس عن الدِّين.
4- لا يجوز الإقدام
على فِعلِ شيء إلا بعد النَّظَر في عَوَاقبه ونتائجه:
- فإذا كانت المصالح
أكثر أقدَمَ على فعله.
- وإذا كانت المفاسد
أكثر أحجَمَ عن فعله.
قال الإمام الشاطبي: "لا يحكُمُ
المُجتَهِدُ عَلَى فِعلٍ مِن الأفعَالِ بِالإقدَامِ أوْ بِالإحجَامِ؛ إلا بَعدَ
نَظَرِهِ إلى مَا يَؤُولُ إليهِ ذَلِكَ الفِعلُ" (الموافقات).