علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى (1) (علم القراءات القرآنية)

  • 104

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أولًا: تعريف هذا العلم:

اختلفت تعريفات أهل هذا الفن لهذا العلم، فمِن هذه التعريفات:

١- تعريف أبي حيان الأندلسي فقد عرَّفه بأنه: "علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن".

٢- تعريف بدر الدين الزركشي، قال: "القرآن هو الوحي المنزَّل على محمدٍ، والإعجاز، والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتابة الحروف أو كيفياتها من تخفيف وتثقيل، وغيرها".

٣- تعريف ابن الجزري، قال: "علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة".

٤- تعريف عبد الفتاح القاضي، قال: "علم يعرف به كيفية النطق بالكلمات القرآنية، وطريق أدائها اتفاقًا واختلافًا مع عزو كل وجه إلى ناقله".

 وبعد استعراض هذه التعريفات، نخلص من ذلك: أن هناك اختلافًا بين هذه التعريفات، فبعضها قد اقتصر على تعريف علم من علوم القرآن الكريم، ولم يشمل التعريف الكلام عن العلوم الأخرى المتعلقة بالقرآن الكريم.

وخلاصة هذه التعريفات وما قاربها: أن علم القراءات علم يشتمل على ما يأتي:

1- كيفية النطق بألفاظ القرآن.

2- كيفية كتابة ألفاظ القرآن.

3- مواضع اتفاق نقلة القرآن، ومواضع اختلافهم.

4- عزو كل كيفية من كيفيات أداء القرآن إلى ناقلها.

5- تمييز ما صح متواترًا أو آحادًا مما لم يصح، مما روي على أنه قرآن.

ويُلَاحظ على هذه التعريفات: أن بعضها عرَّف القراءات بنفس تعريف علمي: التجويد والرسم، مع أن الصواب هو: أن علم القراءات يشتمل على أكثر مباحث علمي: التجويد والرسم، فهو أعم منهما.

وكذلك يلاحظ عليها: الخلط بين القرآن بقراءاته وبين القراءات كعلم، ولأجل هذا قصرت بعض التعريفات القراءات على مواضع الاختلاف كتعريف الزركشي، بينما شملت التعريفات الأخرى مواضع الاتفاق ومواضع الاختلاف، ولعل هذا هو الصواب؛ لأنك عندما تقول: قراءة نافع، أو قراءة عاصم؛ لا تعني بها المواضع التي خالف فيها غيره فقط، وإنما تعني بها قراءته للقرآن كله ما وافق فيه وما خالف.

وكذلك يُلَاحظ على هذه التعريفات: أنها لم تميِّز بين التقسيمات الاصطلاحية لنقلة القرآن المتعارف عليها بين القراء، فمنهم مَن يسمَّى نقله قراءة، ومنهم مَن يسمى نقله رواية، ومنهم مَن يسمى نقله طريقًا، ومنهم من يسمى نقله وجهًا.

هذا، وقد أورد فضيلة الدكتور محمد بن عمر بازمول عددًا من تعاريف القراءات، وبعض الملاحظات التي مَرَّ ذكرها، ثم حاول هو أن يعرِّف القراءات تعريفًا يسلم مما لوحظ على تعريفات السابقين؛ فعرَّف علم القراءات بثلاثة تعريفات، فقال: "تعريف القراءات كعلمٍ مدوَّن هو: مجموع المسائل المتعلقة باختلاف الناقلين لكتاب الله تعالى في: الحذف والإثبات، والتحريك والإسكان، والفصل والوصل، وغير ذلك من هيئة النطق والإبدال من حيث السماع. أو: مجموع المسائل المتعلقة باختلاف الناقلين لكتاب الله مِن جهة اللغة والإعراب، والحذف والإثبات، والفصل والوصل، من حيث النقل. أو: مجموع المسائل المتعلقة بالنطق بالكلمات القرآنية، وطريق أدائها؛ اتفاقًا واختلافًا مع عزو كلِّ وجه لناقله".

قلتُ -وبالله التوفيق-: يُلَاحظ على التعريفين الأولين اقتصارهما على مواضع الاختلاف، وأن التعريف الأول لم يصن عن الإسهاب؛ فقد فَصَّل بعض أوجه الاختلاف ثم قال: "وغير ذلك"؛ فلم يكن لما فَصَّله داعٍ، وفي التعريف الثاني حصر أوجه الاختلاف في اللغة والإعراب، والحذف والإثبات، والفصل والوصل.

وفي رأيي: أن هذا التعريف غير جامع؛ لأن أوجه الاختلاف لا تنحصر فيما ذكره، فمنها المد والقصر؛ فإن قيل: المد والقصر داخل في اللغة والإعراب، فكذلك الحذف والإثبات، والفصل والوصل داخل في اللغة والإعراب. وأما التعريف الثالث فغير مانع مِن دخول علوم اللغة العربية: كالنحو والصرف في تعريف علم القراءات.

والتعريف المختار للقراءات من وجهة نظري -وأطرحه أمامكم للمناقشة طمعًا في الفوز بتوجيهكم وتعقباتكم عليه حتى نحاول الوصول إلى أسلم التعريفات- هو: "أنه علم يبحث في كيفية النطق بألفاظ القرآن وكتابتها، ومواضع اتفاق نقلتها ومواضع اختلافهم، مع عزو ذلك إلى ناقله وتمييز متواتره من آحاده وصحيحه؛ مما لم يصح مما روي على أنه قرآن". والله أعلم.

وللحديث بقية إن شاء الله.