• الرئيسية
  • المقالات
  • الدولة الفاطمية والمذهب الشيعي وزواله من مصر في العصر الأيوبي (7) إظهار الشعائر المخالفة لأهل السنة

الدولة الفاطمية والمذهب الشيعي وزواله من مصر في العصر الأيوبي (7) إظهار الشعائر المخالفة لأهل السنة

  • 99

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فبعد دخول جوهر مصر بأيام قليلة، خطب للمعز في جامع عمرو بن العاص في التاسع عشر من شهر شعبان سنة (358هـ - 969م)، وقد ذُكِر اسم المعز الفاطمي بدلًا من الخليفة العباسي المطيع لله، ولقد تحدث الخطيب في خطبته عن فضائل العلويين الذين سُلِب حقهم على أيدي العباسيين ومن قبلهم الأمويين -كما يزعم الفاطميون-! ولقد كان حدثًا خطيرًا في تاريخ الإسلام، وظهر النزاع الديني بين السنة والشيعة بصورة أشد مما كانت عليه في الماضي. 

وفي ذي القعدة سنة (358هـ - 969م) دعا الخطيب لآل البيت وزاد: "اللهم صلِّ على المصطفى، وعلى علي المرتضى، وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرًا، اللهم صلِّ على الأئمة الراشدين آباء أمير المؤمنين الهادين المهديين".

وفي شهر جمادي الأولى سنة (359هـ - 970م) صلى جوهر الصقلي في جامع أحمد بن طولون وخطب الجمعة عبد السميع بن عمر العباسي، وأذَّن المؤذنون: بحيَّ على خير العمل، وهو أيضًا شعار الفاطميين، ثم عُمم هذا الآذان في أرجاء مصر!

وفي شهر رمضان سنة (359هـ - 970م) صدر أمرٌ بأن تطلى جدران جامع عمرو بن العاص باللون الأحمر -شعار العلويين-، وبعد قدوم المعز إلى مصر أمر أن تُكتب على جدران مصر القديمة عبارة: "خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب".

سب الصحابة رضوان الله عليهم:

لقد عمل الفاطميون على لعن الخلفاء الثلاثة الأول: (أبو بكر وعمر وعثمان)، وغيرهم من الصحابة؛ إذ عدوهم أعداءً لعلي بن أبي طالب، وقد ظهر سب الصحابة جهارًا في زمن العزيز بالله الفاطمي، وفي شهر صفر سنة (385هـ - 995م) قاموا بنقش سب الصحابة على الجدران داخل جامع عمرو بن العاص وخارجه، وعلى جدران المساجد، وعلى أبواب الحوانيت والمقابر، وأحيانًا كانت تلون تلك النقوش بالذهب.

وفي جمادى الأولى من سنة (391هـ - 1001م) ألقي القبض على رجل من الشام لاتهامه بعدم الاعتراف بإمامة علي بن أبي طالب (وفق اعتقاد الشيعة)، فحبسه قاضي القضاة وبعث أربعة من الفقهاء للتحقيق معه، فبذلوا قصارى جهدهم في حمله على الاعتراف بعقيدتهم، لكن الرجل ظل على إبائه بالرغم مِن تدخل قائد القوات الحسين بن جوهر في الأمر، وعمل على إقناعه، ولما لم يفلح رفع أمره الى الحاكم فأمر به فقتل وصلب!

وقد عمد الحاكم الفاطمي إلى إصدار كثير من الأوامر والقوانين المبنية على التعصب الشديد للمذهب الفاطمي؛ فكان الخطباء يلعنون الصحابة على كافة منابر مصر، وقد كتبت الرسائل إلى سائر العمال في البلاد المصرية بمراعاة ذلك؛ وعند عودة الحجاج طُلب منهم أن يسبوا الصحابة! لكنهم لم يستجيبوا فنالهم من سب وبطش، وكانت تنزل العقوبة الصارمة بمَن يتمدح بذكر الخلفاء السنيين! 

فقد قبض نائب دمشق -تموصلت الأسود البربري- على رجل مغربي، وضربه لارتكابه ذنب لم يذكره المؤرخون، وقد طِيف به في شوارع المدينة، ونُوديَّ عليه: "هذا جزاءُ مَن يُحب أبا بكرٍ وعُمر!"، ثم أمر به فضربت عنقه رحمه الله تعالى.

ولا شك أن هذه الأوامر قد أساءت إلى أهل السنة الذين كانوا السواد الأعظم من أهل مصر، وقد كان للفتنة التي أثارها أبو ركوة سنة (396هـ - 1006م) دورًا مهمًّا في تغيير سياسة الحاكم الفاطمي إزاء رعاياه السنيين، ففي سنة (397هـ - 1007م) أبطل بعض ما قام به من لعن الخلفاء الأُول وغيرهم من الصحابة، ثم أمر بمحو ما نقش في لعن هؤلاء الخلفاء، وعوقب كل مَن أقدم على لعنهم، وعُنف في الشوارع على مرأى من الناس.

ثم شاع في زمن المستنصر بالله سب الصحابة! بل فاق زمن الحاكم بأمر الله، وفي زمن الوزير بدر الجمالي سنة (478 هـ - 1085م) الذي كان مغاليًا في التشيع، فأظهر العداء والكراهة لأهل السنة، كما أعاد نقش عبارات سب الصحابة رضوان الله عليهم.

وكذلك ظهر سب الصحابة في عهد العاضد، وخاصة في وزارة طلائع بن زرَّيك الذي كان شديد التشيع أرمينيًّا رافضيًّا في مذهب الإمامية، محاربًا لأهل السنة كارهًا لهم.