التحضر الغربي... بين الواقع والحقيقة

  • 100

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ 

الناظر إلى حقيقة وطبيعة وحال العَالَم الغربي دينيًّا واجتماعيًّا يجد أنه تفلَّت من منهج السماء ودين الرُّسُل، وانحرف عنه انحرافًا كبيرًا، بل في الحقيقة ليس مجرد تَفَلُّت إنما هو عدم ارتباط بالدين أصلًا؛ فقد استحوذ عليهم الشيطان، ودفعهم للشهوات دفعًا.

والواقع الآن أن انتشار المنكرات والفواحش والرذيلة أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية، وإن كانوا في الحقيقة اعتنوا اعتناءً كبيرًا بالتقدُّم المادي سواء الاقتصادي أو التكنولوجي؛ مما جعلهم محط أنظار العالم كله، فتنافسوا فيما بينهم في ذلك تنافسًا شديدًا، مما جعل المجتمعات النامية تقلدهم وتتبعهم، وتسير في ركابهم، محاولة أخذ كل ما عندهم؛ حلوه ومره، النافع والضار! 

فكان مِن ثمار ذلك: أن هذا العالم الغربي أصبح يفرض أجنداته ونظرته للحياة على الجميع، ومن أدواتهم التي يستعملونها في نشر باطلهم تلك الترسانة الإعلامية الهائلة والرهيبة، والتي لسان حال أصحابها وشعارهم: (إن لم تكن معنا فأنت ضدنا!). 

وكما لا يخفى على الجميع: أن هذا التفلت، وهذه الطريقة في الحياة أدَّت إلى انتشار الكبائر: كالزنا، وشرب الخمور، والفواحش، وأعمال قوم لوط، والشذوذ الجنسي بجميع أنواعه وألوانه في تلك المجتمعات الغربية؛ فلقد غرق العالم الغربي في مستنقع الرذيلة حتى أصبحت جزءًا أصيلاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية، بل جعلوا لها قوانين تحميها وتحصنها ومن خالفها فهو شاذ عنها. 

وكان لا بد مِن اسم لها يستسيغه الجميع كي يتم تمريره دون اعتراض، فغير معقول أن يقولوا فواحش ورذيلة على أفعالهم! فاتبعوا سبيل الشيطان وطريقته، فزينها لهم وسموها بأسماء براقة عامة، فالمخالف للنصوص الدينية يقولون عنه: حرية فكر، والاختلاط السافر بين الجنسين دون مراعاة الحرمات يصفونه بالتحضر، والوقوع في الكبائر والصغائر المزرية يصفونه بحرية التصرف الشخصي، وأن الإنسان يفعل ما بدا له دون الرجوع إلى عقل أو دين أو فطرة أو حتى ذوق وآدمية.

حتى إنك لتتعجب حين تسمع أنه انتشر عندهم الآن ما يسمي بالجرو البشري! 

تخيل معي ما هذا؟!

لن أدعك كثيرًا في حيرة، فالجرو البشري إنسان يقوم مقام كلب، ويلبس لبس كلب، ويقوم بوظيفة كلب هل تتخيل ذلك؟! 

المهم نحن نختلف عن الغرب من أول الطريق، وفي النظرة للحياة أصلًا، ولا اتفاق بيننا وبينهم، ولا يتصور وجود اتفاق معهم إلا لو أكرمهم ربنا باتباع الرسل، وأولهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

فالمعركة بيننا وبينهم معركة: وحي وهوى، ضلال وهداية، إيمان وكفر، عفة ورزيلة، لكن المشكلة في المفتونين بهم وبشهواتهم الذين يبغونها عوجًا!

ورغم ذلك؛ فإن مِن المبشِّرات: أن تدين الشعوب العربية وفطرتهم السوية تعد عائقًا حقيقيًّا، وجدارًا تنكسر عليه حملاتهم الشرسة. 

ولمواجهة ذلك التدين هداهم شيطانهم إلى كيفية هدمه وتمييعه بأن يجعلوه تدينًا معوجًا يبعد عن الفطرة ومنهج السماء، مع إظهار محاسن الغرب، وما عندهم من حرية وتحضر.

تلك الحرية وذلك التحضر اللذان طبَّقهما العالم الغربي في العراق، وأفغانستان، ومالي، وغيرها، وكيف أن حريتهم المعسولة وحضارتهم البراقة نقلت ْهذه الشعوب إلى مزيد مِن التقدُّم! 

فلقد رأى العالم بأسره ما حدث من رفاهية ونعيم في سجون العراق، وجوانتانامو، وكيف أمطرت سماء حرية الغرب على هيروشيما ونجازاكي الحرية والتحضر!

عودًا على بدء:

الغرب لا يمنعك من التدين، ولكن يريد منك أن تتدين تدينًا معوجًّا يقوم على الخرافة والخزعبلات، والتصوف الفلسفي، وعلى ما تراه من تهوين الشرك على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت عمومًا؛ فهذا جزء من مشروعهم الاستخرابي لدين الشعوب وتدينهم، وفطرتهم السوية، وكله باسم التدين الذي يُمرر من خلال أذنابهم وعملائهم.

المعركة طويلة، لكن المهم أنك أنت كمسلم تعلم أن إسلامك ودينك محارب، ويراد له أن يكون نموذجًا يرضي الغرب وحضارتهم المزعومة، ويريح ضميرهم الممزق؛ فاحذر أن تكون جزءًا ممَّن يسهل عليهم مهمتهم وأهدافهم. 

الإسلام بفهم الصحابة والسلف كما تركنا عليه نبينا ورسولنا صلى الله عليه وسلم يجب أن تمتثله وتعمل به، وتذود عنه، وتحيا وتموت عليه؛ لأن نبيك قال: "تركتكم على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك".

الإسلام بهذا المفهوم أمانة... ماذا أنت صانع تجاهه في مخاض الأمة العسير وليلها البهيم؟ "فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ".

ولنا أمل.