آثار سلبية للسينما وأهلها على سلوكيات وأخلاق المجتمع

  • 104

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

يقولون: الفن مرآة المجتمع، وينسون الأهم وهو: تأثير الفن السلبي على المجتمع؛ خاصة صناعة السينما أو الفن السابع.

ونحن نشير هنا إلى بعض جوانب هذا التأثير السلبي للسينما وأهلها على المجتمع، ومنها:

- تقديم نماذج سيئة يَقْتَدي بها الشباب:

مما لا شك فيه عند الكثيرين مِن الدُّعَاة والمصلحين، وعلماء النفس والاجتماع، بل ونُقَّاد السينما ومتابعيها أن ازدياد ظاهرة العنف والجريمة، والانحلال الخلقي في المجتمع في السنوات الأخيرة؛ خاصة بين الشباب بشكلٍ لم يكن معروفًا مِن قبل، يرجع في جانبٍ رئيسي منه -إلى جانب أسباب أخرى- إلى ما تنتجه السينما -خاصة في السنوات الأخيرة- وتفرزه من أعمال، وما تقدمه من شخصيات سيئة لا تصلح أبدًا أن تكون قدوة للشباب.

كتب الكاتب والصحفي محمود بكري معلِّقًا على تفاقم ظاهرة الجريمة والعنف الدموي في المجتمع المصري في السنوات الأخيرة ما مفاده: (زادت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة مع انتشار نمط معين من الأفلام والمسلسلات التي انحرف بها المسار نحو تقديم الجريمة بأبشع الصور، وزيادة الجرعة من مشاهد الدماء والقتل والبلطجة)، (وكشفت الدراسات الجنائية عن تطور الجريمة خلال العشر سنوات الماضية من حيث أساليب ارتكابها وتنفيذها؛ مما جعلها تختلف عن الحقب السابقة لها).

ويضيف: (للآسف بعض الدراما الآن تحوَّلت إلى أداة هدم)، (وأصبح بعضها عائقًا أمام خطط الدولة لتحقيق التنمية المستدامة باختراقها للقيم الأخلاقية، وكيف تلهث خلف الإثارة، ضاربة بالقيم والعقائد والثوابت عرض الحائط، بل أصبحت أيضًا مرشدًا لتنفيذ بعض الجرائم، ومنها: جرائم مستجدة لم تكن موجودة من قبل!)، (وفي هذا الإطار هناك دراسات تؤكِّد أن تدمير الشباب الذي يشكِّل 60% من المجتمع يكون بسبب الإدمان والتدخين، وتصدير البلطجة والعنف مِن خلال الشاشات؛ بالإضافة إلى الألفاظ النابية التي أصبحت يرددها الشباب دون حياء، فالدراما حاليًا تعمل على طمس الهوية وإحداث اضطرابات اجتماعية، وترسيخ لقيم الانتقام حتى بين أفراد الأسرة الواحدة)، (ونرى من خلالها حلولًا ابتكارية للعنف والجريمة، وتجسيد نموذج مثالي لها بصورة حرفية، وبالتالي يقبل عليها الشخص وهو متبلد الإحساس؛ لأنه اعتاد رؤيتها باستمرار).

(وفي ذات السياق فإن الأفلام التي تروِّج للعنف لها عامل كبير في زيادة نسبة الجريمة لدى المصريين؛ لأن جمهور هذه الأفلام غالبًا من الأطفال والمراهقين، ممَّن ليس لديهم الوعي الثقافي والتعليمي، فيكونون تربة خصبة لتلقي أي شيء يطرح عليهم دون تفكير، وهو ما يحدث بالفعل حينما تُعرض عليهم الأفلام التي تروج للبلطجة على أنها الشجاعة، وهنا تترسخ صورة لدى هؤلاء بأن البلطجة وحمل السلاح سوف تخلق منه شخصًا شجاعًا وثريًّا، ومِن ثَمَّ يبدأ في تنفيذ عمليات إجرامية بهدف الوصول إلى ذلك).

ويقول: (أكَّد عددٌ كبيرٌ من النقاد السينمائيين أن الأفلام التي تروِّج لأعمال العنف والبلطجة ازدادت بدرجة كبيرة، متوقعين اختفاء تام للأعمال الاجتماعية والسينما النظيفة خلال الفترة المقبلة) (راجع في ذلك مقال: "جرائم القتل البشعة: حالات فردية أم ظاهرة مجتمعية؟ كيف أسهم الإنتاج الدرامي في تشكيل اتجاهات الجمهور نحو عالم الجريمة في الواقع؟" للكاتب محمود بكر، جريدة الأسبوع عدد 27 يونيو 2022، ص 3 بتصرفٍ).

وقال د. عصام عبد الصمد رئيس اتحاد المصريين في أوروبا في خواطر له: (للأسف الشديد الفن في مصر هبط بطريقة غير عادية، مثله مثل أشياء أخرى كثيرة في مجالاتٍ مختلفةٍ)، وقال: (وللأسف صدى أفلام البلطجة سيئ جدًّا في الخارج، وأنا كمواطن يعيش في الخارج أتلقى رسائل سلبية من وراء هذه الأفلام، لا أعرف كيف وصلنا إلى هذا الحدِّ والانحدار؟!) (انظر: "خواطر مصري يعيش في لندن منذ 48 سنة" مجلة تلي سينما - عدد يناير2019، ص 29).

- انتهاك حرمة شهر رمضان:

دأبت القنوات التلفزيونية على تقديم عشرات الأعمال من الأفلام التلفزيونية والمسلسلات كل عام تنتج خصيصًا للشاشة الصغيرة (التليفزيون) خاصة في شهر رمضان، ويتكرر إذاعتها طوال شهر رمضان طوال ساعات الليل والنهار، وتتكلف مليارات الجنيهات، وإذا تابعتها (ترى اهتماماتها محصورة في السحر والشعوذة، وإثارة الغرائز الجنسية والأوهام، وأحلام اليقظة لدى الشباب، ناهيك عن تقديم روشتة لتعلم النصب والاحتيال، والكذب والهروب من القانون، فهل هناك معول هدم لأمة أشد مما تفعل هذه الأعمال المنتسبة للفن؟ الأمر لم يعد صدفة، ولا يقتصر على عملٍ واحدٍ أو عملين، بل هو تيار كاسح يهجم علينا كل عام في رمضان بالذات... كأنهم يحاربون الشهر الكريم والوطن والشعب والدولة، وكل ما هو بنَّاء وإيجابي في حياة شعبنا الذي ترك فريسة للأموال التي تضخ في هذه التفاهات، فتدفع بعض الشباب لليأس والإحباط، وتستفز آخرين، وتغيِّب كثيرين، وتحض آخرين على السرقة والنصب والاحتيال!) (انظر مقال: "الفن عندما يتحول إلى التجارة والابتذال" جريدة المساء عدد 8 فبراير 2018، ص9 بتصرفٍ).

وينقل كاتب المقال عن الفنان طارق الدسوقي قوله: (هناك تعمد لتدمير الذوق العام، وخاصة في السنوات الخمس الماضية... وقد شهدنا إنتاج 40 مسلسلًا تلفزيونيًّا كأن مؤلفيها يجلسون جميعًا في غرفة واحدة، ففي عام يكتبون كلهم عن العنف والجريمة، والسنج والمطاوي والسيوف في الشوارع، وعام آخر عن السحر والشعوذة والدجل، والنصب والاحتيال، وعام ثالث يستعرضون الأجسام ويثيرون غرائز الشباب ويستفزون بسطاء الناس وفقرائهم؛ إنه التعمد مع سبق الإصرار والترصد لطمس القومية) (المصدر السابق).

- تزيين ارتكاب الجرائم البشعة:

حوادث بشعة وغريبة على المجتمع المصري، جعلت أصابع الاتهام تتجه إلى السينما والدراما بما تقدِّمه من مشاهد عنف وسفك دماء لدرجةٍ دفعت الكثيرين إلى القول بأن الدراما التي قدمت خلال السنوات الأخيرة هي السبب الرئيسي فيما وصلنا إليه الآن.

تعددت الجرائم البشعة التي لم تكن معروفة من قبل، وهزت الرأي العام مِن شدة بشاعتها في أعقاب أفلام البلطجة الممتلئة بالبلطجة وبالقتل وسفك الدماء بدم بارد من عينة مسلسل: (الأسطورة) إنتاج عام 2016، والذي جسَّد شخصية رجل يقتل أصدقاءه خلال أحداث العمل، ومسلسل (البرنس) إنتاج عام 2020 الذي احتوى على كمية كبيرة من مشاهد العنف والقتل والتعذيب غير مقبولة، ومسلسل (نسل الأغراب)، ومِن قبل: فيلم (عبدة موتة) عام 2012 الذي قدَّم كل فنون الإجرام التي أصبح الشباب يقلدونها، ومثلها أفلام: (إبراهيم الأبيض)، و(القشاش)، و(تراب الماس)، وغيرها.

فمثلًا: في عام 2021 الماضي كانت هناك جرائم شنيعة، منها:

- إقدام شاب في محافظة الإسماعيلية في العشرينيات يعمل بائعًا للموبيليا بذبح سمكري سيارات، ثم قام بفصل رأسه عن جسده والتمثيل بجثته.

- وفي مدينة بلبيس في محافظة الشرقية تجردت أم من مشاعر الأمومة، وقامت بقتل طفلها الرضيع بضربه وتهشيم رأسه ثم فرت هاربة.

- وفي مدينة (طوخ) طعنت سيدة زوجها بالسكين يوم عرفة (وقفة عيد الأضحى)؛ بسبب خلافات زوجية ومادية.

- ومن مول شهير بالقاهرة انتحرت فتاة طبيبة أسنان متخرجة حديثًا في الثالثة والعشرين من عمرها من الدور السادس في لحظة أثارت ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ بسبب بعض الخلافات والمشاكل الأسرية.

- بينما في المنصورة قام طبيب أسنان بقتل زوجته طبيبة الأسنان بطعنها بعدة بطعنات قاتلة (11 طعنة) إثر شجار بينهما.

- بينما أنهى شاب بالهرم حياة والده بتهشيم رأسه برطمه بالحائط، وطعنه بعدها بسكين جلبه من المطبخ حتى فارق الحياة؛ لرفض الأب زواج الابن قبل حصوله على وظيفة.

- بينما أنهى شاب أخر في مدينة بدر حياة والده بالتعدي عليه بعصا خشبية بعد مشادة كلامية أعقبها شجار وتضارب بينهما!

- وفي قرية تابعة لمركز المنصورة ذبح أبٌ -بمشرطٍ- ابنه البالغ من العمر 13 سنة من رقبته بدم بارد بعد أن وضع له منوِّمًا في العصير؛ للتخلص من شقاوة هذا الابن المصاب بكهرباء زائدة في المخ، وفرط في الحركة (للاستزادة: انظر في ذلك: جريدة النبأ - عدد 1 يناير 2022، مقال: "حصاد العام: تفاصيل أبشع جرائم القتل والذبح التي شغلت المصريين في عام 2021، ص 6).

أما في النصف الأول من عام 2022 الحالي: فقد هزَّت جرائم جديدة بشعة الرأي العام بشدة؛ خاصة بعد انتشار فيديوهات تم تصويرها لجرائم منها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها:

- مقتل طالبة جامعة المنصورة على يد زميل لها الذي نحرها أمام الجامعة بالسكين، بصورة بشعة أمام باقي الطلبة والمارة في وضح النهار.

- ذبح أم لأطفالها الثلاثة بمحافظة الدقهلية، ثم محاولة الانتحار بعد ذلك.

- ذبح شخص في محافظة الشرقية لشقيقه.

- قتل شاب في قنا زوجته ووالده وإصابته لثلاثة آخرين.

ولا شك أن أسوأ هذه الجرائم الوحشية ما يقع منها داخل الأسرة الواحدة، كما في قتل الولد لأبيه أو قتل الأب لابنه أو قتل الأم لأبنائها، أو قتل الأخ لشقيقه، أو قتل الزوج لزوجته أو قتل الزوجة لزوجها، وتكرر هذه الجرائم البشعة بهذه المعدلات والكيفية غير المسبوقة تنذر بتمزق وتقطع الأواصر الأسرية، وتهدد أمن واستقرار المجتمع بصورة مقلقة للغاية.

- فضائح ومهازل المهرجانات السينمائية:

(خلال السنوات الأخيرة الماضية أصبحت مشاكل المهرجانات أمرًا لا يطاق، وعلى الرغم من اختلاف الأسباب)، (إلا أن النتيجة واحدة في النهاية)، (وما زاد الأمر سوءًا هو أن القائمين على المهرجانات أصبحوا يتعاملون معها على أنها (سبوبة) ليس أكثر)، فنرى في العام الماضي (مهرجان الجونة السينمائي كان هو الأحدث في مسلسل مهازل المهرجانات؛ إذ أصبح حديث الجميع منذ ليلة لانطلاقه بسبب ما حدث فيه مِن عِدَّة أمورٍ لفتت الأنظار، وجعلته أشبه (بالمسخرة)؛ خاصة على السوشيال ميديا) (للاستزادة راجع مقال: "مهازل المهرجانات الفنية" جريدة النبأ - عدد 30 سبتمبر 2017، ص 11 بتصرفٍ).

ومما جاء في المقالة: (في سياق متصل كانت إطلالات بعض الفنانين غير موفَّقة أو مناسِبة للمهرجان، وعلى رأسهم: الفنانة... والفنانة... والفنانة... وكذلك... )، (أما ملابس الفنانة.... فكانت سببًا في توجيه سيل من الانتقادات الساخرة إليها، فعلى الرغم من أن تكلفة فستانها وصلت إلى 68 ألف جنيه، لكنه كان غير موفق تمامًا؛ إذ كان مزَّينًا بالورود وأوجه الكلاب!).

(ولم يكن الجونة السينمائي هو الوحيد المليء بالمشاكل والكوارث، فالحال لم يختلف كثيرًا بالنسبة لعدة مهرجانات سابقة، ومنها: شرم الشيخ الإفريقي الآسيوي)، (إذ كان فضيحة بمعنى الكلمة) (المصدر السابق بتصرف).

وجاء في المقالة أيضًا: (الدورة الثامنة والثلاثون من مهرجان القاهرة السينمائي التي كانت برئاسة الفنانة... جاءت بنفس الوضع؛ إذ كان فشله ذريعًا على جميع الأصعدة بدءًا من السجادة الحمراء التي تحوَّلت في حفل افتتاحه إلى (سويقة)، مرورًا بمشاكل الصحفيين إلى الملابس وإطلالات النجوم التي كانت في غير موقعها المناسب) (المصدر السابق بتصرفٍ).

وبعد خمس سنوات متصلة من إقامة مهرجان الجونة السينمائي سنويًّا (من عام 2017 إلى عام 2021) جاء الكلام عن مهرجان الجونة أسوأ مما كان مِن قبل؛ ففي مقال بعنوان: (الجونة والمواطن المصري) كتبت صحفية تقول: (نجح آل ساويرس في فرض مهرجان الجونة السينمائي -مع تحفظاني العديدة تجاه شرعيته الثقافية وقيمة ما يقدِّمه- بالإنفاق الضخم، واستقطاب نجوم مصر، والإصرار على الاستمرار رغم كل الظروف، لكنه تحول من مهرجان فني إلى محفل سنوي لاستفزاز المواطن المصري!).

وتضيف الكاتبة: (العري الفاضح على ريد كاربت (السجادة الحمراء) والسهرات الخاصة الماجنة -التي لم تعد خاصة في عصر الإنترنت- قد أثارت غضب المصريين واستهجانهم، فصبوا اللعنات على صُنَّاع المهرجان وضيوفه!

لقد صار مهرجان الجونة مرادفًا للعري، وحلبة لاغتيال الأخلاق، ومضمارًا لذبح الآداب العامة، وميدانًا لاغتصاب العادات والتقاليد المصرية وقتل الذوق والأناقة!)، (وأطلق عليه العامة اسم: مولد سيدي العريان).

وفي المقابل: سيطرت العزة بالإثم على تصريحات الفنانات والقائمين على المهرجان، فجاءت التبريرات فجة وقحة، مشبعة بالغرور، لتزيد الفجوة بين أهل الفن والجمهور!

ومن الغريب: أن في المهرجان المقام مِن أجل السينما لم تنل الأفلام المشاركة أي اهتمام، ولم يحاول أحد التعرف على عروض المهرجان وأنشطته وندواته!).

وتقول الكاتبة في آخر مقالتها: (لا يُقَاس نجاح مهرجان سينمائي بما تم ضخه من أموال لإقامته أو عدد الحضور، أو السهرات الراقصة اليومية، أو استعراض الفنانين على ريد كاربت يوميًّا، واللغط الدائر حوله، وإنما بإتاحة الفرصة للاطلاع على ثقافات متنوعة، والمناقشات بين المتخصصين من دول مختلفة) (راجع مقال: "الجونة والمواطن المصري!" هالة فاروق - جريدة الأسبوع - عدد 1 نوفمبر 2021، ص11 بتصرفٍ).

- استباحة القبلات بين الرجال والنساء:

أصبحت القبلات سمة من سمات الأفلام السينمائية التي تُعرَض على الجمهور، فلا يكاد يخلو منها فيلم؛ سواء كانت قبلات مجردة في مشاهد قصيرة كوميدية، أو قبلات في مشاهد رومانسية عاطفية ساخنة طويلة بين (أبطال وبطلات!) الفيلم، وأصبحت تلك أمور مألوفة معهودة لا تجد مَن ينكرها، أو يعترض عليها؛ تتكرر مشاهدها أمام الشبان والشابات من المراهقين والمراهقات، وتقتحم البيوت كل يوم ليراها جميع أفراد العائلة مِن: أب وأم وأبناء، مجتمعين أو غير مجتمعين، ورغم أن هناك قلة من الفنانين يمتنعون عن هذه الأدوار، لكن الأكثرية يُقبِلون عليها؛ سواء أقحمت هذه القبلات في العمل السينمائي إقحامًا أو وُضِعت لها تبريرات درامية تبدو في زعمهم وكأنها مما يستدعيها العمل، مع أنه يمكن بالطبع تجنبها؛ مراعاة وحفاظًا على أخلاق وحياء المجتمع وقيمه، ولحرمتها شرعًا قطعًا.

والأدهى والأَمَر: وجود مَن يستسيغ انتشار تلك القبلات في المجتمع باسم الفن، ويدافع عنها ويدعو إليها كالعادة باسم: حرية الفن؛ ولأنها عُرِفت قديمًا مع بدايات السينما؛ فأصبحت جزءًا لا يتجزأ منها.

فتكتب صحفية دفاعًا عن هذه القبلات ما مفاده: (مرارًا ندافع عن المشاهد الحميمية والقبلات في السينما بعد أن أصبحت وصمة يتنصل منها جيل الفن النظيف الذي يحاول جاهدًا المزايدة على الأفكار المجتمعية المُحَافِظَة!)، (إن القبلات بدأت مع بداية السينما، وتَقبَّل المجتمعُ القبلةَ وقتها؛ فالقبلة في السينما المصرية أو المشاهد الحميمية بشكلٍ عامٍ كانت موظَّفَة لخدمة الأحداث، وكان تقبُّلها أمرًا بديهيًّا)، (فالدفاع عن القبلة أو المشاهد الحميمية هو دفاع عن حرية الفن، وعن حق المبدع في تقديم عمله، وتوظيف المشاهد بالكيفية التي تناسب أفكاره ورأيه، وعلينا كجمهور أن نتلقَّى العمل الفني دون أن نصادر على حرية المخرج أو المؤلف، وإذا لم نتفق مع العمل، فهناك خاصية إغلاق "الريموت!") (انظر مقال: "إلى جيل الفن النظيف... البوسة مش انحلال" للصحفية إيمان كمال - جريدة الفجر - عدد 14 يناير 2021، ص 12 بتصرفٍ).

ولا تحسبن القبلات في الوسط الفني قاصرة على الأفلام، بل هي منتشرة خارجها في احتفالات أهل الفن في أفراحهم وزيارتهم ومناسباتهم، فيقبِّل الرجلُ منهم في الحفل خدود وأيادي نساء الحفل في رقة ونعومة عادة، مع كلمات الإعجاب والإطراء مجاملة! يحدث هذا كثيرًا بلا نكير أو ممانعة مِن المرأة نفسها أو زوجها أو أبيها أو ابنها؛ ناهيك عن تلاصق الأجساد في رقص هادئ أو صاخب، لا يخلو من عري فاضح وخمور!

وهذه القبلات المحرَّمة شرعًا هي عندهم مِن الآداب المستحسنة في الزيارات واللقاءات، تُنشَر وتُنقَل جهرًا عبر الفيديوهات ومواقع التواصل الاجتماعي.

ومما يذكر هنا: ما ذكرته الفنانة نوال أبو الفتوح -التي اعتزلت الفن وهي في ذروة أعمالها- وهي من مواليد 1940- أنها اعتزلت الفن؛ بسبب ابنها الذي كان يبكي خجلًا من أدوارها الجريئة؛ لذا اتجهت إلى التمثيل في الأدوار الدينية والتاريخية لمحو الصورة السيئة عن أدوارها الجريئة في السينما، وبعد تأديتها فريضة الحج تحجبت واعتزلت الفن حتى رحيلها في إبريل عام 2007 (راجع مقال: "نوال أبو الفتوح... اعتزلت الفن خجلا من رفض ابنها للأدوار الجريئة" جريدة النبأ - عدد 11 يناير 2020، ص 8).

- فتح الباب للتطبيع مع الكيان الصهيوني:

في الوقت الذي تحرص فيه الدول العربية شعبيًّا ورسميًّا على رفض التطبيع السينمائي والإعلامي والثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي مع إسرائيل، ومقاطعة كل ما تشارك فيه إسرائيل من محافل رياضية ومهرجانات، فقد بدأ البعض من الفنانين في التوجُّه عكس التيار نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني من خلال لقاءات وزيارات، ومشاركات في أعمال فنية تعد مِن الدعم والتقبُّل للكيان الصهيوني المغتصِب لأرض وحقوق شعب فلسطين؛ منهم مَن ينكر تعمُّدها رغم ثبوتها عليه، ومنهم مَن يجهر بأنه لا يرى فيها بأسًا؛ رغم أنها تصادم مشاعر الجماهير العربية، وتفتح الباب لتمادي آخرين في التطبيع.

ففنان مصري مشهور التقي بفنان إسرائيلي وممثل إسرائيلي، ولاعب كرة إسرائيلي، وذلك في زيارة له لدبي في احتفال رجل أعمال إماراتي بافتتاح مكتب له في تل أبيب، وشارك هذا الفنان المصري المشهور في تقديم بعض الأغاني الإسرائيلية والرقص على أنغام إحداها!

ومن قبل قام فنان وفنانة -مصريان- بمشاركة فنانين إسرائيليين في مسلسل أمريكي بعنوان: (الطاغية)، بينما قام فنان مصري آخر عام 2007 بالاشتراك في الفيلم البريطاني الأمريكي (بين النهرين) والذي تناول حياة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وكان بطل الفيلم يحمل الجنسية الإسرائيلية، بينما شارك ممثل مصري آخر في عام 2010 في الفيلم الأمريكي (اللعبة العادلة) مع ممثلة إسرائيلية (راجع مقال: "فضائح نجوم الفن في التطبيع مع إسرائيل" جريدة النبأ - عدد 28 نوفمبر 2020، ص 8).