• الرئيسية
  • المقالات
  • الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (79) الإسلام دين إبراهيم خليل الرحمن دون اليهودية والنصرانية والشِّرْك (7)

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (79) الإسلام دين إبراهيم خليل الرحمن دون اليهودية والنصرانية والشِّرْك (7)

  • 59

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقال الله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ‌وَلَا ‌أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا . وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا . وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) (النساء: 123-125).

الفائدة الخامسة: دَلَّ قولُه تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى)، على أن مسئولية التكليف مشتركة بين الذكور والإناث؛ فكلٌّ منهم مسئولٌ عن فعل الصالحات وترك المنكرات، مع الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقَدَر خيره وشره، وهذا بخلاف النظرة المنحرفة للمرأة التي انتشرت قبل الإسلام وجاء الإسلام بهدمها، وقد انتشرتْ في جميع الديانات حتى المنسوبة إلى الأنبياء بسبب التحريف؛ فضلًا عن الديانات الأرضية، والحضارات البشرية، فالبعض يراها شيطانًا كما نَصَّت بعضُ مجامع النصارى على ذلك، والبعض يراها أداة للمتعة: كالحضارات اليونانية، والرومانية، كما تشهد بذلك تماثيلهم ورسومهم وآثارهم، وهذا الفكر هو الذي وَرِثَه الغربُ عنهم حتى لو تشدَّقُوا بحقوق المرأة!

فلا تزال المرأة -عندهم- سلعة مجانية فوق كلِّ السلع في كلِّ ترويج وتسويق؛ حتى زجاجة المشروب الغازي، حتى كيس البطاطس المقلية؛ فضلًا عن المساكن وفيلات القُرى السياحية والسواحل البحرية، والسيارات، وغيرها.

والحقيقة: أنهم برفع شعارات المساواة المطلقة دون قيدٍ، ووضع قواعد تخريب الأسرى وهدمها، ونشر ثقافة النِّدِيَّة التي تخالف الفطرة التي فَطَر اللهُ الناسَ عليها وتخالف الشريعة التي بيَّنها اللهُ بعدله؛ يضرون المرأةَ أعظم الضرر، ويخدعونها؛ لتقع في فخ الفتنة، وشَرَك الشِّرْك والضلال.

وقد بَيَّن سبحانه وتعالى أن الرجالَ قوامون على النساء، فقال تعالى: (‌الرِّجَالُ ‌قَوَّامُونَ ‌عَلَى ‌النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء: 34)، فالعلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تكامل، وليس علاقة تنافس وندية، وعلاقة سكينة لا قلق واضطراب، ونزاع مستمر يهدم البيت والمجتمع، وعلاقة مودة لا بغضاء وكراهية، وعلاقة رحمة لا عذاب، قال تعالى: (‌وَمِنْ ‌آيَاتِهِ ‌أَنْ ‌خَلَقَ ‌لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21).

وأول مَن أظهر ما هُدِم مِن شرائع الله السابقة في حقِّ الإناث هو الإسلام، وأول مَن رَدَّ للمرأة اعتبارها بأنها إنسان مكلَّفة لها الثواب إن أحسنت، وعليها العقاب إن أساءت، فهي مقصودة بتحقيق غاية البشرية في الأرض، وهي عبادة الله وحد لا شريك له، فشريعة محمدٍ صلى الله عليه وسلم هي التي أقامت للمرأة حقها واعتبارها.

ولا شك أن اختلافَ بعضِ التشريعات بين الرجل والمرأة؛ كلٌّ حسب طبيعته التي خلقها اللهُ فيها هو العدل، وليس العدل هو المساواة؛ فالحيض، والحمل والولادة، والرضاعة والحضانة، والتربية في سنوات الصغر الأولى، أولى بها الأنثى، والكد والسعي في الأرض، ومكابدة ومباشرة الأعمال الشاقة، وطلب الرزق والنفقة، وكذا القتال؛ أولى بالرجال حسب قدرتهم وطبيعتهم؛ فاحذروا الأفكار النسوية الغربية المدمِّرة للمرأة وللمجتمع كله، والتي تروِّج ظلم الإسلام للمرأة، وتحاول الالتفات على التشريعات الربانية العادلة باسم: المساواة؛ فهي والله تضر المرأة أضعاف أضعاف ما يظنون أنها تنفعها.

الفائدة السادسة: دل قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) على إقامة الحجة لأهل الإسلام على أهل الكتاب والمشركين الظانين بمجرد الادِّعاء أنهم الأحسن والأفضل، فَنَصَر اللهُ حجةَ أهلِ الإسلام وبيَّن أن دِينَ إبراهيم صلى الله عليه وسلم هو الإسلام الذي بُعِثَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم دون اليهودية والنصرانية والشِّرْك، وملة إبراهيم واجبة الاتِّباع على كلِّ أحدٍ.

واتباع محمدٍ صلى الله عليه وسلم واجبٌ على كلِّ مَن بلغته دعوتُه مِن الإنس والجن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ‌يَهُودِيٌّ ‌وَلَا ‌نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) (رواه مسلم)، وقال الله تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ ‌وَمَنْ ‌بَلَغَ) (الأنعام: 19)، فكلُّ مَن بلغه القرآنُ؛ فهو منذر، وواجب عليه الإيمان به واتباعه، فانحصر الدِّين الإبراهيمي الحق في دِين محمدٍ صلى الله عليه وسلم واتِّباع النور الذي أُنزِل معه، ومَن تأمل هذه الآية الكريمة وجدها تهدم فكرة الدين الإبراهيمي الجديد المزعوم، الباطل الذي أسسه اليهود؛ لاستغلال جهل الناس بحقيقة التوحيد والإيمان بالرسل؛ ولذا كانت أهم معالم هذا الدِّين المزعوم: اعتماد الصوفية العالمية كوسيلةٍ لحلِّ الخلافات بين الأديان؛ لأنها بنوعيها الغالية في الأنبياء والأولياء، والاعتقاد فيهم أنهم يدبِّرون الكون، بل الأكوان! وأنهم يخلقون ويرزقون، وإن أضافوا إلى ذلك: بإذن الله!

وأنهم يستجيبون الدعاء على الغيب، وأن أسماعهم وأبصارهم وقدراتهم وَسِعَت العالَم، وكل هذا مِن الغلو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ‌إِيَّاكُمْ ‌وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ) (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني).

والنوع الثاني هو: الصوفية الفلسفية القائمة على وحدة الوجود ووحدة الأديان، كما روَّج لها قديمًا: الحلاج، وابن عربي، وابن الفارض، وجلال الدين الرومي، وغيرهم؛ فكلاهما -أي: كلا النوعين- يهدم التوحيد والاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا عجب أن يعتمدها الدِّين الإبراهيمي الجديد، وكذا اعتماد الرقص للتقريب بين الأديان؛ لأنه الذي يغيِّب العقل ويبعده عن الدليل، وكذا يعتمدون نشر ما يسمونه القِيَم المشتركة بين الأديان مع السكوت عن العقائد الفارقة بينها التي أنزلها الله في كتابه، قال الله تعالى: (‌وَأَنْزَلَ ‌الْفُرْقَانَ) (آل عمران: 4)، وهو سبحانه يمتن بالفرقان على مَن آمن واتَّقى؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ ‌يَجْعَلْ ‌لَكُمْ ‌فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الأنفال: 29).

نسأل اللهُ أن يجعلَ لنا الفرقان، وأن يهدمَ هذا الدِّين الخَبِيث الذي إبراهيم عليه السلام بريء منه، وكذا كل الأنبياء: موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم؛ فلا دين يُتَّبَع إلا دين إبراهيم الحق، وهو دين الإسلام الذي جاء به محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم.

وللحديث بقية إن شاء الله.