بوارق الأمل

  • 66

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فبثُّ الأمل ولو في أحلك المواقف من صفات أهل الإيمان؛ فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب والمسلمون محصورون في المدينة؛ يواجهون المشاق، والخوف والجوع، والبرد القارس، وقد زلزلوا زلزالًا شديدًا، وبلغت القلوب منهم الحناجر، كان يبث في أصحابه الأمل؛ فحينما اعترضتهم صخرة كبيرة وهم يحفرون: ضربها الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات فتفتتت، وقال إثر الضربة الأولى: "الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة"، ثم ضربها الثانية فقال: "الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض"، ثم ضرب الثالثة وقال: "الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة".

بينما اليأس من صفات الكافرين كما قال تعالى: "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"، وتصوير الأحوال بأنها ميئوس منها ولا سبيل لتحسينها؛ ليس هو منهج المصلحين؛ لأنه يوحي للنفس بالعجز، ويكبل القدرات عن الانطلاق، ويصنع الهزيمة النفسية الداخلية التي تتلوها حتمًا هزيمة واقعية، فيؤدي ذلك إلى المزيد من التردي، ويتحول الدور الإصلاحي -المفترض لنا القيام به- إلى الدور التيئيسي الإفسادي الذي يساهم في الهبوط بالمجتمع إلى دركات أخرى أشد سوءًا.

ولا يعني هذا الخداع والتجمُّل الكاذب، وعدم طرح المشكلات الواقعية الحقيقية التي يراها ويتأثر بها الجميع؛ وإنما طرح الأمور بطريقة صحيحة عقلانية تمنع اليأس، وتدفع إلى العمل في الاتجاه الصحيح عبر وضع حلول واقعية لمواجهة أسباب المشكلات الحقيقية بمهارة تطبيقية واضحة، وبصورة إيجابية غير ضبابية.