استعدوا يا شباب... !

  • 163

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلا يحقر أحدُكم نفسَه، ولا يتعجل في الحكم على مشروعه بالفشل، ولا ينظر تحت قدميه، ولا يقتل الطموح بداخله، فالأيام ستمضي، ولكل مجتهد نصيب، وفي الزوايا خبايا؛ ولذا كان عروة بن الزبير يقول لأولاده: "إنا كنا أصاغر قوم ثم نحن اليوم أكابر، وإنكم اليوم أصاغر قوم وستكونون كبارًا؛ فتعلموا العلم تسودوا به قومَكم، ويحتاجوا إليكم".

يا لها مِن وصية! أعني قوله: "فتعلموا العلم تسودوا به".

ولا شك أننا لا نقصد أن ينوي الطالب بطلبه العلم السيادةَ والعلوَ في الأرض، بل علينا أن نجتهد في إخلاص العمل لله عز وجل، وأن تكون الرغبة في الله والدار الآخرة، والإخلاص شديد، وإنه ليسير على مَن يسره الله عليه، لكننا نتكلم عن توصيف الواقع، واحتياج الأمة لجهود أبنائها "وخاصة شبابها"، وأن على المسلم أن يكون عالي الهمة؛ ولذا كان مِن دعاء عباد الرحمن "واجعلنا للمتقين إمامًا"، وهذا لا ينافي الإخلاص، بل هو مِن علو الهمة، وحسن الرجاء في الله.

فهناك خطورة بالغة -على مستقبل الأمة الإسلامية ومستقبل الدعوة إلى الله والعمل للدين- إذا تراجع دور الشباب، وتقلَّصت طموحاتهم، واكتفوا بجهود أكابرهم، ولم يستعدوا من الآن حتى إذا جاء وقت الحاجة إليهم لم يكونوا مستعدين، فيندمون وقت لا ينفع الندم، وحينها لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب.

فيكونون بين خيارين كلاهما مر؛ إما أن يحجموا تاركين تلك الثغور شاغرة وتلك الأمانة ضائعة، أو يتصدروا بلا علم ولا خبرة متقدمين بلا عدة، فيكون ضررهم أكثر من نفعهم، وكلاهما ذميم وخطير.

فبدلًا من أن يكونوا هم الفئة التي ينحاز إليها الناس عند اختلال الصفوف، والأعمدة التي تكون سببًا في ثبات البناء وقت الزلازل، يكونون هم أنفسهم الفُرَّار من الزحف وقت تلاقي الصفوف، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فيكون هذا من الوقوع في خيانة الأمانة ولو بدون قصد، فإن عدم التخطيط للنجاح هو تخطيط للفشل.

فإذا اكتفى الشباب من العلم بالقشور؛ فمن أين يأتي الراسخون؟!

وإذا لم يوجد العابدون العاملون؛ فمتى يوجد أهل البصائر الموفَّقون؟!

ونحن الآن في وقت البناء والاستعداد، قبل أن يأتي وقت الجني والحصاد، فالله الله في أمتنا، لا يؤتى الإسلام من قبلنا!

فأعدوا العدة، وتجهزوا من الآن، وابذلوا الوسع والطاقة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، ولا يكلِّف الله نفسًا إلا ما آتاها.

تجهَّز ابن عباس فانتفعت بعلمه الأمة جيلًا بعد جيلٍ، وتراجع صاحبه الأنصاري ففاته خير كثير، وفي كلٍّ خير، لكن قد جعل الله لكل شيء قَدْرًا.

والمؤمن كيس فطن، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، واستعن بالله ولا تعجز.

فاللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد.

اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر نفوسنا، واهدنا سبل السلام.