• الرئيسية
  • المقالات
  • الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (81) دين إبراهيم وهو دين جميع الأنبياء واحد وهو قائم على الوحي المُنَزَّل

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (81) دين إبراهيم وهو دين جميع الأنبياء واحد وهو قائم على الوحي المُنَزَّل

  • 74

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقال الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا . وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ‌وَكَلَّمَ ‌اللَّهُ ‌مُوسَى تَكْلِيمًا . رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء: 163-165).

إن أعظم ما يتميَّز به دينُ الإسلام وهو الدِّين الإبراهيمي الحق دون المفترى، وهو دين جميع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين: أنه بُني على الوحي المنزَّل من عند الله في كلِّ ما تضمنه من إصلاح الإنسان وبنائه؛ فردًا ومجتمعًا ودولة، في بناء عقيدته وإيمانه، وفي بناء عبادته ومعاملته، وفي بناء أحوال قلبه وأخلاقه كما بيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل حين سأله عن الإيمان والإسلام والإحسان، ثم ما بيَّنه الكتاب وما بينته السنة من قواعد ونظم الحياة في المجتمع والدولة، في النظام السياسي والنظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي والأُسري، ونظام التكافل وكفاية الأفراد، ونظام الحرب والسِّلْم والمعاهدات، والنظام القضائي ونظام العقوبات؛ حدودًا وتعزيرات، والنظام المصرفي والمالي، والنظام التعليمي، ونظام الفتوى، ونظام الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وكل فروض الكفايات التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم على طريقة مَن سبقه مِن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ببيانٍ لم ينزل قبلُه قط.

وكل حرف ومسألة في هذه الأنواع كلها التي ذكرنا في الفرد والأمة والدولة، عندنا فيه بيان من الوحي؛ فلو يحوجنا ربنا إلى غيره، ولم يتركنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد بيَّن لنا المحجة البيضاء ليلها كنهارها، فلم نحتج قط ولم يشرع لنا قط أن نأخذ عقيدتنا مِن علم الفلسفة، والمنطق اليوناني، وعلم الكلام كما أخذه غيرنا من الديانات والأمم، وأهل البدع، ولم نخترع نحن عَبْر الزمان خرافات وضلالات؛ إنما فعل ذلك أهل البدع والضلال، وظل أهل السنة يطاردونهم بالمرصاد؛ لبيان ضلالهم وبدعتهم في كلِّ المسائل العقدية.

ولم يحوجنا ربنا ولم يشرع لنا رسوله صلى الله عليه وسلم في العبادات: أن نخترع ونبتدع عبادات من عند أنفسنا أو بأهوائنا كما يفعله أهل الضلال في رقصهم ومكائهم وتصديتهم، وتعبداتهم الغالية حول قبور أنبيائهم وصالحيهم.

ولا اخترعنا أن يكون الأحبار والرهبان والعلماء أربابًا لنا من دون الله؛ يحلون الحرام أو يحرِّمون الحلال، ولا قَبِلْنَا عبر تاريخنا أن يكون الحكام والملوك، والكبراء والقياصرة والأباطرة مشرعين بشيء من دون الله، بل كل أحد لا بد أن يأتي على ما يفعله بالدليل من الوحي؛ وإلا كان باطلًا ومردودًا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد"؛ حتى الإجماع فليس للعلماء أن يجمعوا إلا بناءً على دليلٍ من الوحي.

ولم يشرع لنا ربنا ورسوله صلى الله عليه وسلم قط أن نخترع في أحوال القلوب مقامات وأحوالًا من عند أنفسنا، أو مِن عند غيرنا: كفَنَاء وبَقَاء، وجَمْع وفَرْق، ومحو وصحو، وقبض وبسط، واصطلام ودهش، وهيمان وسكر، ونزعم أنها مقامات الخاصة وخاصة الخاصة التي أخذها مَن أخذها مِن أحوال الرهبان الهنود والبوذيين، والفُرس والروم، وفلاسفة اليونان، بل كفانا الله بما شرعه لنا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لبيان كل عبادات القلب والأخلاق المتفرعة منها فعلًا وتركًا مِن: حبٍّ وخوفٍ ورجاء، وتوكل وإنابة، ورغبة ورهبة، وتعظيم، وصبر، وشكر وإخلاص، وإخبات وافتقار إلى الله، وطمأنينة بذكره، وتوبة إلى الله وفرار إليه، وغير ذلك مما نص عليه الوحي.

وفي باب التروك: ترك الكبر والعجب، والاختيال والفخر، والعجز والكسل، والجبن والبخل، والكفر والفقر، والشرك والشك والنفاق، والفسوق والشقاق، وسيئ الأخلاق، والرياء والسمعة، والقسوة والغفلة، والذلة والعيلة والمسكنة، والعمى والصمم والبكم، والحسد، وإرادة الدنيا وزينتها، والتنافس عليها وعلى رياستها، وغير ذلك، وكل ذلك بالوحي لا بالرأي ولا بالهوى، ولا بالتقليد الأعمى؛ بل إما الدليل من الوحي، وإما الرد والإبطال.

ولا تركنا سبحانه أن نخترع السياسات التي تُنظَّم بها حياة الناس؛ إلا ما كان من تحقيق للمصلحة ودفع للمفسدة بالطرق المشروعة من الوحي أيضًا، وتحت مظلة أحكامه؛ دون ما اخترعه المكيافيلية والظَّلَمَة عبر الزمان.

وهذه المسألة العظيمة الأهمية في وقتنا الحاضر كما هي في كل وقت، لكن نحن الآن في مواجهة حاسمة وخطيرة، وإرادة عالمية في ترك المسلمين الوحي في العقيدة إلى البدع والضلالات؛ للتمكين من بناء وَهْم وخرافة الدين الإبراهيمي الجديد، وتركهم العبادة والعمل للتمكين مِن هدم أعظم سياج واقٍ للمسلمين من التأثر بأعدائهم، وتحوُّل أعمال مجتمعاتهم وأبنائهم وبناتهم إلى الشهوات المغرية؛ إما باسم الترفيه والتمتع بمتع الحياة، أو عدم التطرف وبناء الشبكات الإسلامية المعتدلة التي يرى أصحابها أن الذي يحافظ على الصلوات الخمس؛ فهو متطرف، وأن الاعتدال هو أن يصلي أحيانًا ويترك أحيانًا، وأن الذي يحضر المسجد خمس مرات في اليوم فهو متطرف، وإنما الاعتدال أن يذهب إلى الجمعة أحيانًا ويترك أحيانًا، وهكذا... !

وفي السلوك إلى خزعبلات الصوفية العالمية -كما يسمونها!-، والتي تروِّج إلى وحدة الوجود ووحدة الأديان، وتفسد الأخلاق والأعمال باسم هذه الأحوال؛ فلا بد أن نعود إلى الوحي المنزَّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي تضمن الكُتُبَ الأولى، وجمع كل خير فيها وزاد عليها ما لم ينزل مثله من قبل قط، والحمد لله رب العالمين. والله المستعان.

قال الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا . وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ‌وَكَلَّمَ ‌اللَّهُ ‌مُوسَى تَكْلِيمًا . رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء: 163-165).

قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "روى محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: قال سكن وعدي بن زيد: يا محمد، ما نعلم أن الله أنزل على بَشَرٍ مِن شيءٍ بعد موسى صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله في ذلك من قولهما: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) إلى آخر الآيات. وروى ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: أنزل الله: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ) إِلَى قَوْلِهِ (وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا)، فما تلاها عليهم -يعني على اليهود- وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة، جحدوا كل ما أنزل الله وقالوا: ما أنزل الله على بَشَرٍ من شيء، ولا موسى ولا عيسى، ولا على نبي من شيء. قال: فحل حبوته، وقال: ولا على أحدٍ! فأنزل الله عز وجل: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ)، وفي هذا الذي قاله محمد بن كعب القرظي نظر؛ فإن هذه الآية التي في سورة الأنعام مكية، وهذه الآية التي في سورة النساء مدنية، وهي رد عليهم لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابًا من السماء، قال الله تعالى: (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ)، ثم ذكر فضائحهم ومعايبهم وما كانوا عليه، وما هم عليه الآن من الكذب والافتراء.

ثم ذكر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما أوحى إلى غيره من الأنبياء المتقدمين، فقال: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا)، والزبور: اسم الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود عليه السلام، وسنذكر ترجمة كل واحد من هؤلاء الأنبياء عليهم من الله  أفضل  الصلاة والسلام عند قصصهم مِن سورة الأنبياء إن شاء الله، وبه الثقة وعليه التكلان" (انتهى من تفسير ابن كثير).

وللحديث بقية إن شاء الله.