عاجل
  • الرئيسية
  • المقالات
  • الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (82) دين إبراهيم وهو دين جميع الأنبياء واحد وهو قائم على الوحي المُنَزَّل (2)

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (82) دين إبراهيم وهو دين جميع الأنبياء واحد وهو قائم على الوحي المُنَزَّل (2)

  • 114

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقال الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا. وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ‌وَكَلَّمَ ‌اللَّهُ ‌مُوسَى تَكْلِيمًا. رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء: 163-165).

قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله تعالى: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) أي: من قبل هذه الآية، يعني: في السور المكية وغيرها. وهذه تسمية الأنبياء الذين نَصَّ الله على أسمائهم في القرآن، وهم: آدم، وإدريس، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وأيوب، وشعيب، وموسى، وهارون، ويونس، وداود، وسليمان، وإلياس، واليسع، وزكريا، ويحيى، وعيسى عليهم الصلاة والسلام، وكذا ذو الكفل عند كثيرٍ من المفسرين، وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ) أي: خلقًا آخرين لم يُذكَروا في القرآن، وقد اختلف في عِدَّة الأنبياء والمرسلين، والمشهور في ذلك حديث أبي ذر الطويل، وذلك فيما رواه ابن مردويه رحمه الله في تفسيره، بسنده عن أبي ذر قال: قلتُ: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا"، قلت: يا رسول الله، كم الرسل منهم؟ قال: "ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير"، قلت: يا رسول الله، مَن كان أولهم؟ قال: "آدم". قلت: يا رسول الله، نبي مرسل؟ قال: "نعم، خلقه الله بيده، ثم نفخ فيه من روحه، ثم سواه قبلًا".

ثم قال: "يا أبا ذر، أربعة سريانيون: آدم، وشيث، ونوح، وخنوخ -وهو إدريس، وهو أول مَن خَطَّ بالقلم- وأربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر، وأول نبي مِن بني إسرائيل: موسى، وآخرهم: عيسى. وأول النبيين آدم، وآخرهم نبيك صلى الله عليه وسلم ".

وقد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو حاتم بن حبان البستي في كتابه: "الأنواع والتقاسيم" وقد وسمه بالصحة، وخالفه أبو الفرج بن الجوزي، فذكر هذا الحديث في كتابه: "الموضوعات"، واتهم به إبراهيم بن هشام هذا (قلتُ: يعني الراوي عن أبيه عن جده عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر)، ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث، فالله أعلم.

(قلتُ: هذا الحديث بهذه الألفاظ ضعيف بلا شك، ولا يمكن أن يصحح، ولا أن يحسن؛ خصوصًا في ذكر أن إدريس هو خنوخ، وأنه أول مَن خط بالقلم، فكل هذه إسرائيليات، وكذا ذكر الأربعة السريانية، ومنهم: آدم؛ فإن هذا كله لا يثبت قط عن الرسول صلى الله عليه وسلم)، وقد روي الحديث من وجه آخر عن صحابي آخر، فقال ابن أبي حاتم: ذكر سند ضعيف عن أبي أمامة قال: قلت: يا نبي الله، كم الأنبياء؟ قال: "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا، من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جمًّا غفيرًا".

معان بن رفاعة السلامي ضعيف، وعلي بن يزيد ضعيف، والقاسم أبو عبد الرحمن ضعيف أيضًا.

وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي: عن يزيد الرقاشي (ضعيف)، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعث الله ثمانية آلاف نبي، أربعة آلاف إلى بني إسرائيل، وأربعة آلاف إلى سائر الناس".

قال: وهذا أيضًا إسناد ضعيف فيه الربذي ضعيف، وشيخه الرقاشي أضعف منه أيضًا، والله أعلم.

وروى أبو يعلى: عن يزيد الرقاشي، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان فيمن خلا من إخواني من الأنبياء ثمانية آلاف نبي، ثم كان عيسى ابن مريم، ثم كنت أنا".

وقد رويناه عن أنس من وجه آخر، وذكر السند الذي أخبره به أبو عبد الله الذهبي، أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت على إثر من ثلاثة آلاف نبي من بني إسرائيل"، وهذا غريب من هذا الوجه وإسناده لا بأس به، رجاله كلهم معروفون إلا أحمد بن طارق هذا، فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح، والله أعلم. (قلت: ومثل هذا لا يقال إسناده لا بأس به، فالمجهول لا يصح حديثه).

قال: وحديث أبي ذر الغفاري الطويل في عدد الأنبياء عليهم السلام، قال محمد بن الحسين الآجري بسنده عن أبي ذر قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده، فجلست إليه فقلت: يا رسول الله، إنك أمرتني بالصلاة. قال: "الصلاة خير موضوع فاستكثر أو استقل"، قال: قلت: يا رسول الله، فأي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله، وجهاد في سبيله"، قلت: يا رسول الله، فأي المؤمنين أفضل؟ قا: "أحسنهم خلقا". قلت: يا رسول الله، فأي المسلمين أسلم؟ قال: "من سلم الناس من لسانه ويده". قلت: يا رسول الله، فأي الهجرة أفضل؟ قال: "من هجر السيئات". قلت: يا رسول الله، أي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت". قلت: يا رسول الله، فأي الصيام أفضل؟ قال: "فرض مجزئ وعند الله أضعاف كثيرة". قلت: يا رسول الله، فأي الجهاد أفضل؟ قال: "من عقر جواده وأهريق دمه". قلت: يا رسول الله، فأي الرقاب أفضل؟ قال: "أغلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها". قلت: يا رسول الله فأي الصدقة أفضل؟ قال: "جهد من مقل، وسر إلى فقير". قلت: يا رسول الله، فأي آية ما أنزل عليك أعظم؟ قال: "آية الكرسي"، ثم قال: "يا أبا ذر، وما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة". قال: قلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا" قال: قلت: يا رسول الله، كم الرسل من ذلك؟ قال: " ثلاثمائة، وثلاثة عشر جم غفير كثير طيب". قلت: فمن كان أولهم؟ قال: "آدم". قلت: أنبي مرسل؟ قال: "نعم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وسواه قبيلًا ثم قال: "يا أبا ذر، أربعة سريانيون: آدم، وشيث، وخنوخ -وهو إدريس، وهو أول من خط بقلم- ونوح. وأربعة من العرب: هود، وشعيب، وصالح، ونبيك يا أبا ذر. وأول أنبياء بني إسرائيل: موسى، وآخرهم: عيسى. وأول الرسل: آدم، وآخرهم: محمد". قال: قلت: يا رسول الله، كم كتابًا أنزله الله؟ قال: "مائة كتاب وأربعة كتب، وأنزل الله على شيث خمسين، صحيفة، وعلى خنوخ ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى من قبل التوراة عشر صحائف وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان"، قلت: يا رسول الله، ما كانت صحف إبراهيم؟ قال: "كانت مواعظ كلها: يا أيها الملك المسلط المبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها ولو كانت من كافر. وكان فيها أمثال: وعلى العاقل أن يكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يفكر في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب. وعلى العاقل ألا يكون ضاغنًا (أي: خارجًا من بيته) إلا لثلاث: تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش (أي: إصلاح)، أو لذة في غير محرم.

وعلى العاقل أن يكون بصيرًا بزمانه، مقبلًا على شأنه، حافظًا للسانه، ومن حسب كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه". قال: قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف موسى؟ قال: "كانت عِبَرًا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب، وعجبت لمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن إليها، وعجبت لمن أيقن بالحساب غدًا ثم هو لا يعمل"، قال: قلت: يا رسول الله، فهل في أيدينا شيء مما في أيدي إبراهيم وموسى، وما أنزل الله عليك؟ قال: "نعم، اقرأ يا أبا ذر: قد أفلح من تزكى . وذكر اسم ربه فصلى . بل تؤثرون الحياة الدنيا . والآخرة خير وأبقى . إن هذا لفي الصحف الأولى . صحف إبراهيم وموسى"، قال: قلت يا رسول الله، فأوصني. قال: "أوصيك بتقوى الله، فإنه رأس أمرك"، قال: قلت يا رسول الله، زدني. قال: "عليك بتلاوة القرآن، وذكر الله، فإنه ذكر لك في السماء، ونور لك في الأرض"، قال: قلت: يا رسول الله، زدني. قال: "إياك وكثرة الضحك، فإنه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه"، قلت: زدني. قال: "عليك بالجهاد، فإنه رهبانية أمتي"، قلت: زدني. قال: "عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان وعون لك على أمر دينك". قلت: زدني. قال: "انظر إلى مَن هو تحتك، ولا تنظر إلى من هو فوقك، فإنه أجدر لك ألا تزدري نعمة الله عليك"، قلت: زدني. قال: "أحبب المساكين وجالسهم، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك"، قلت: زدني. قال: "صل قرابتك وإن قطعوك "، قلت: زدني. قال: "قل الحق وإن كان مُرًّا"، قلت: زدني. قال: "لا تخف في الله لومة لائم"، قلت: زدني. قال: "يردك عن الناس ما تعرف عن نفسك، ولا تجد عليهم فيما تحب، وكفى بك عيبًا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك، أو تجد عليهم فيما تحب"، ثم ضرب بيده صدري، فقال: " يا أبا ذر، لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق" (انتهى من تفسير ابن كثير).

وهذا الحديث رغم ضعفه؛ إلا أنه فيه من المواعظ الجسيمة والحِكَم البليغة التي لها شواهد كثيرة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.

وللحديث بقية إن شاء الله.