• الرئيسية
  • المقالات
  • الدولة الفاطمية والمذهب الشيعي وزواله من مصر في العصر الأيوبي (10) الاحتفالات والأعياد الشيعية التي أحدثوها

الدولة الفاطمية والمذهب الشيعي وزواله من مصر في العصر الأيوبي (10) الاحتفالات والأعياد الشيعية التي أحدثوها

  • 58

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد اهتم الحكام الفاطميون في مصر بالاحتفال بأعياد خاصة بالمذهب الشيعي، مع أنهم لم يحتفلوا بهذه الأعياد الشيعية أثناء وجودهم بالمغرب، وربما يرجع ذلك لاعتبارهم مصر العاصمة الحقيقية لدولتهم، فعمدوا إلى إحياء ذكرى لأحداث مهمة في تاريخ الحركة الشيعية، وكانت الدولة خلال هذه الأعياد تُظهِر من بذخها وثرائها ممثَّلًا في الأعطيات والموائد والإنفاق، ومِن هذه الأعياد: 

الاحتفال بذكرى استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنهما في كربلاء: 

بدأ أول احتفال بتلك الذكرى في مصر في العصر الفاطمي في العاشر من محرم سنة (363هـ - 973م)، وفي ذلك الموعد كانت تَخْرج جماعات كبيرة من الشيعة إلى الشوارع في حراسة جنود الفاطميين، وكانوا يصيحون بالنياحة والبكاء على الحسين، وكانوا يأمرون المصريين بغلق متاجرهم، ومَن يخالف يتعرض للاعتداء! 

وكانوا يقومون بمهاجمة الأسواق وإتلاف أواني السَّقَّائين، وتمزيق قِرَب الماء؛ مما أدَّي إلى وقوع شجار بينهم وبين المصريين، وتدخل القائد المغربي أبو محمد الحسن بن عمار، وباعد بين الفريقين وحسم الأمر قبل وقوع الفتنة. 

وكان الحكام الفاطميون في هذه المناسبة يحتجبون فلا يظهرون تعبيرًا عن حزنهم وجزعهم؛ ويُقِرون تعطُل الأسواق، وكان الشيعة يخرجون جماعات، ومعهم المغنون في الطرقات يتصايحون بالبكاء وإنشاء المراثي، ثم ينطلقون في وقت الضحى إلى الجامع الأزهر، حيث يُجرى الاحتفال الرسمي للدولة الذي يترأسه قاضي القضاة، وبصحبته الوزير، وكبار رجال الدولة، والعلماء، ومعهم داعي الدعاة، كما كان يتنافس الشعراء والمغنون في ذكر المراثي في الحسين وأهل البيت، فيضج الحاضرون بالبكاء والنحيب.

وكانوا أحيانًا يذبحون عند قبر الحسين عددًا من الإبل والبقر والغنم، ويتم توزيعها على الفقراء والمحتاجين؛ وفي هذه المناسبة يفعل الشيعة الكثير من مظاهر الغلو والفوضى؛ وكثيرًا ما يحدث اعتداءات على أموال الناس وحرماتهم، كما أن المنشدين كانوا يتخذون من النوح على الحسين في هذا اليوم مصدرًا للتربح، والحصول على الأموال، ويطلبون من التجار وأصحاب الحوانيت في الأسواق الهبات المالية، كما كانوا يتطاولون على الصحابة رضوان الله عليهم. 

يوم الغدير: 

بدأ الفاطميون بالاحتفال بهذا العيد في مصر، منذ دخول المعز لدين الله مصر في سنة (362هـ - 972م)، وهذا العيد يحمل ذكرى مهمة لديهم في ادعائهم -المردود عليه- أحقية علي بن أبي طالب في الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي أحقية الحكام الفاطميين بسبب انتسابهم إلى عليَّ وزوجته فاطمة، ويكون الاحتفال بهذا العيد في الثامن عشر من ذي الحجة.

وقد تجمع عددٌ كبيرٌ مِن أهل مصر والمغاربة من الشيعة للدعاء، وللاحتفال بهذا اليوم؛ فسُر المعز بذلك، وقد اهتمت الدولة بهذه المناسبة؛ فأصبحت لها رسوم محددة، فيخرج موكب الحاكم فيه بدون مظلة، ويجتمع الناس في الجامع الأزهر في أعدادٍ غفيرة، ومعهم الفقهاء والقُرَّاء والمنشدون. 

وكان هذا العيد يعدونه عندهم أعظم من العيد الأضحى! وكان الجزارون يذبحون أعدادًا كبيرة من الذبائح، وتهدى لحومها إلى خواص المتشيعين، وأنصار المذهب الفاطمي، وكان المؤذنون في هذا اليوم يكبرون تكبير العيد. 

الاحتفال بمولد علي بن أبي طالب وزوجته فاطمة، والحسن والحسين، والحاكم الفاطمي الحاضر: 

وهذه من الأعياد الشيعية ذات الطابع الخاص، وكانوا يطلقون عليها مولد الأجداد والحاكم الحاضر، وقد اندثرت بعد زوال الدولة الفاطمية، وكانت هذه الأعياد ذات تواريخ محددة يعرفها الشيعة، ويحتفلون بها، ويبدو أنها كانت على غرار الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؛ وهذا الاحتفال يشمل توزيع الأطعمة والحلوى، التي صُنِعَت في دار الفطرة.

عيد النصر:

كان هذا العيد يحيي ذكرى خلاص الحاكم الحافظ لدين الله من السجن الذي اعتقله فيه الوزير أبو علي أحمد بن الأفضل، وكان أحمد بن الأفضل من غلاة الإمامية، وعمل خلال فترة وزارته علي القضاء على المذهب الإسماعيلي، حيث حجر على الحاكم، وحجبه عن الناس، واستبد هو بالأمر، حتي تمكَّن حرس الحاكم من القضاء على الوزير، وأطلقوا سراح الحاكم في السادس عشر من المحرم سنة (526هـ - 1131م)، وقد استمر الاحتفال بهذا العيد حتى نهاية عصر الدولة الفاطمية، وكان يقام في هذا العيد من مظاهر الاحتفال مثل ما يفعل في الأعياد من الخطبة، والصلاة والزينة، والتوسعة في النفقة، وكان الحافظ يحتفل بهذا العيد احتفالًا خاصًّا في مجلسه، فيحييه بالغناء والطرب، وكانت الجواري تقبل عليه مهنئات.

الاحتفال بتنصيب ولي العهد: 

من الشروط المهمة عند الفاطميين لصحة الإمامة، أن ينص الحاكم أو يوصي بولاية العهد لأحد أبنائه، ليخلفه بعد موته، وإذا صدر عن الحاكم أكثر من نص بولاية العهد، فتصير الخلافة لآخر من نص عليه الحاكم قبل وفاته، ويعد ذلك بمثابة أمر بالتعيين من الحاكم لمن يخلفه من أولاده، ولأهمية هذا الأمر في الدولة الفاطمية؛ فإن الحاكم إذا أراد أن ينص على أحد بولاية العهد، فإنه يجمع أفراد أسرته وإخوته، وسائر أبناء عمومته، في مجلس يحضره كبار رجال الدولة، ليعلن أمامهم فيه اسم ولي العهد الذي يكون خليفة من بعده، ويطالب الجميع بمعاونته والسمع له والطاعة، ثم يحتفلون بهذه المناسبة.