ولولا أن ثَبَّتْنَاك لقد كِدتَّ تَرْكَنُ إليهم شيئًا قليلًا

  • 94

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله تعالى: "وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا"، أي: لولا أن ثبَّتناك يا مـحمد بعصمتنا إياك عما دعاك إلـيه هؤلاء الـمشركون من الفتنة، "لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَـيْهِمْ شَيْئًا قَلِـيلًا"؛ لقد كدت تـميـل إلـيهم، وتطمئنّ شيئًا قلـيلًا، وهو صريح في أنه صلى الله عليه وسلم ما هَمَّ بإجابتهم مع قوة الدواعي إليها، ودليل على أن العصمة بتوفيق الله وحفظه.

ما أحوجنا لفهم هذه المعاني وتطبيقها في الواقع العملي المعاصر، وسط الشبهات والشهوات! فصاحب المنهج -عِلمًا وعملًا- عندما يختلط بغيره في مناكب الأرض وحيث يريدُ الإصلاح ما استطاع، قد يجد عندهم مِن الدنيا وزينتها ما ليس عنده، ومِن الأفكار والعادات كذلك، فيسأل الله الثبات على الحق، ولا يركن إلى الظالمين بالرضا والمتابعة في كبيرٍ ولا صغيرٍ، قال تعالى: "وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا . وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا . إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا"، عسى أن نكون مِمَّن قال الله فيهم: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا". 

والثبات على الحق لا يكون إلا مِن الله سبحانه، ومِن أسبابه:

- الاستقامة على دين الله تعالى، وعدم التفريط في شيء منه.

- التمسك بالقرآن والسُّنة. 

- استحضار حال الغربة والغرباء.

 - مصاحبة المصلحين.

 - عدم التعرض للفتن.

- تدبُّر قصص الأنبياء والتأسي بهم.

- كثرة الذكر والدعاء.  

وقد روى الطبراني في "المعجم الكبير" بسندٍ صحيحٍ عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا شداد بن أوس، إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة؛ فاكنز هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك... "، وفي المسند بلفظ: "إذا كَنَزَ الناسُ الذهَبَ والفِضَّةَ، فاكْنِزوا هؤلاء الكَلِماتِ: اللَّهمَّ إنِّي أَسألُك الثباتَ في الأمرِ، والعزيمةَ على الرُّشدِ، وأَسألُك شُكْرَ نِعمتِك، وأَسألُك حُسنَ عِبادتِك، وأَسألُك قَلْبًا سليمًا، وأَسألُك لِسانًا صادقًا، وأَسألُك مِن خَيرِ ما تَعلَمُ، وأَعوذُ بك مِن شَرِّ ما تَعلَمُ، وأستغفرك لِما تَعلَمُ؛ إنَّك أنت عَلَّامُ الغُيوبِ".