• الرئيسية
  • المقالات
  • الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (85) دين إبراهيم وهو دين جميع الأنبياء واحد وهو قائم على الوحي المُنَزَّل (5)

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (85) دين إبراهيم وهو دين جميع الأنبياء واحد وهو قائم على الوحي المُنَزَّل (5)

  • 68

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

فقال الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا . وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ‌وَكَلَّمَ ‌اللَّهُ ‌مُوسَى تَكْلِيمًا . رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء: 163-165).

الفائدة الثالثة:

دَلَّت الآية الكريمة على نبوة ورسالة جميع الأنبياء الذين ذُكِروا في هذه الآيات، ومدحهم والثناء عليهم، وأنهم حجة الله على عبادة بتوحيده وعبادته وطاعته؛ لذلك ثبتت عصمتهم وتضمَّنت الرد على مَن طعن فيهم، واتهمهم بالشرك وعبادة الأصنام، وفعل الفواحش والكبائر، بل والصغائر على الصحيح، وأسوأ وأخبث وأكثر مَن يفعل ذلك هم اليهود؛ وذلك ليستحلوا لأنفسهم ما فعلوه من الكفر والفواحش، والفسوق والعصيان؛ لأنه إذا فعلها الأنبياء فلا لوم على غيرهم!

ومِن أسوأ ذلك: ما نسبوه إلى النبيين الكريمين داود وسليمان -عليهما السلام-، وهو مجمع عند أهل الإسلام على استحالته على الأنبياء؛ ففي سفر الملوك الفصل الأول (11/ 33-34): "وأحب الملك سليمان نساء أجنبيات كثيرة من الأمم التي قال الرب لبني إسرائيل في شأنها: لا تذهبوا إليهن، ولا يذهبن إليكم، فإنهن يستملن قلوبكم إلى اتباع آلهتهم، فتعلَّق بهن سليمان حبًّا لهن، وكان له سبع مائة زوجة وثلاث مائة جارية، فأزاغت نساؤه قلبه.

وفي زمن الشيخوخة تمكَّن أزواجه من إمالة قلبه إلى اتباع آلهة أخرى، فلم يكن قلبه مخلصًا للرب إلهه، كما كان قبل داود أبيه، فتبع سليمان عَشتَروتَ إلهَةَ الصَّيدونيِّينَ ومَلكومَ إلهَ بَني عَمونَ، ووضع الشرَّ في عيني الرب، ولم يتبع الرب اتباعًا تامًّا مثل أبيه داود؛ حينئذٍ بنى سليمان مشرفًا لكاموش صنم قبيلة موآب في الجبل المقابل لأورشليم، ولمولك صنم بني عمون، وكذلك صنع لجميع نسائه الغريبات اللواتي كن يحرقن البخور ويذبحن لآلهتهن، فغضب الرب على سليمان، لأنّ قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي تراءى له مرتين، وأمره في ذلك أن لا يتبع آلهة أخرى‏".

فهذا الضلال المبين والكفر المستبين بالرسل والنبيين من أعظم ضلالات أهل الكتاب؛ لأن ادِّعاء أن قلب سليمان مال إلى اتباع آلهة أخرى، ولم يكن قلبه مخلصًا للرب إلهه، فيه نسبة الشرك الذي برأه الله منه، ومِن السحر الذي زعمه ونسبه إليه اليهود بقوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ ‌عَلَى ‌مُلْكِ ‌سُلَيْمَانَ ‌وَمَا ‌كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (البقرة: 102).

ومن أعظم جرائم اليهود وكفرهم: ما نسبوه إلى نبي الله داود صلى الله عليه وسلم الذي خصَّه الله بذكره في هذه الآيات؛ لأنه آتاه كتابًا هو الزبور، وهو كلام الله عز وجل، فنسبوا إليه فعل الزنا مع امرأة أحد قادته "أوريا الحوثي" الذي أنجب منها سليمان بعد التسبب في قتل زوجها.

بل التفاصيل الكثيرة في "سفر صموئيل" الذي يعد ضمن العهد القديم يستحيي الإنسانُ من ذكرها أو كتابتها! ومَن أراد أن يطلع على هذا الباطل في كتبهم فليراجعها، وهو مِن الكذب الصريح على أنبياء الله، وهو من أدلة تحريف ما يسمَّى بالكتاب المقدس، وخطأ مَن يقول: إن تحريف أهل الكتاب لكتبهم هو تحريف المعاني دون تغيير الألفاظ؛ فإن ما نسبوه للأنبياء لا يجوز لمسلم أن يعتقد صحته، فضلًا أن يعتقد ثبوته في كتب الله المنزلة، وقد أخطأ خطأ بيِّنًا مَن قال مِن المفسرين: إن القرآن أشار إلى هذه القصة في سورة ص في قوله تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ . إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ ‌فَفَزِعَ ‌مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ . إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ . قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) (ص: 21-24).

فإن أقصى ما تحتمله الآيات أنه مجرد طلب لا فعل معه إطلاقًا، وإنما غلبه في الخطاب لا في الفعل، كما قال الحسن: لم يزد على أن قال: انزل لي عنها. ومِن أهل العلم مَن يقول: إن فتنة داود إنما كانت في أنه حكم لأحد الخصمين على الآخر دون أن يسمع من الآخر، وإن كان قول الحسن أقرب إلى ظاهر وسياق الآيات، لكن دون أن يُنسَب إليه فعل، ومثل هذا الطلب يكون خلاف الأولى لا يليق بالأنبياء؛ فلذلك تاب إلى الله عز وجل منه، وعلى أي حال فلا يوجد في أهل الإسلام مَن يصحح زنا نبي كريم من أنبياء الله صلى الله عليهم وسلم أجمعين، وأن ابنه النبي سليمان هو ابن زنا!

بل نقول: إن مجموع الأدلة على أن اعتقاد زنا نبي أو أنه ابن زنا، أو أن امرأته تزني؛ كل ذلك من الكفر، كما دلَّ على ذلك قوله سبحانه وتعالى: (‌وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) (النساء: 156)، فبيَّن كفر اليهود؛ لأنهم نسبوا أن المسيح صلى الله عليه وسلم ابن زنا، ومَن قال ذلك كفر بإجماع المسلمين.

وقد دَلَّت قصة الإفك على كفر مَن زعم زنا زوجة مِن زوجات نبينا صلى الله عليه وسلم على الصواب مِن أقوال العلماء، فمَن اتهم عائشة أو غيرها بفعل الفاحشة؛ فهو كافر؛ لأنه ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الدياثة! والأنبياء منزهون عن ذلك بالإجماع.

فهذه حقيقة عقيدة اليهود في أنبيائهم وملوكهم الذين يسعون اليوم ويزعمون أنهم يريدون إعادة بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، أو تحويل المسجد الأقصى إلى هيكلهم بالاقتحامات المستمرة، بالتدريج ونفخ البوق فيه، وإقامة طقوس الرقص، والقفز داخل أسواره وحدوده، نسأل الله أن يطهر المسجد الأقصى من دنسهم وكفرهم، وأن يرده إلى المسلمين.

وإنما بنى سليمان صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى، وليس الهيكل المزعوم، ومعنى أنه بناه أي: جدَّد بناءه؛ لأن بناءه الأول كان في عهد إبراهيم أو إسحاق أو يعقوب عليهم السلام؛ لأنه كان بعد بناء الكعبة بأربعين عامًا كما ثبت ذلك في حديث أبي ذر في صحيح مسلم، وقد ثبت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما بنى سليمان عليه السلام المسجد سأل الله ثلاثًا فأعطاه إياها، فسأل الله حكمًا يوافق حكمه، وملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده، وأنه مَن قصد هذا المسجد فصلَّى فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

فسليمان صلى الله عليه وسلم بريء مِن اليهود، وممَّن يعتقد عليه الكفر والشرك، وداود عليه الصلاة والسلام الذي ينسبون نجمة عَلَمهم إليه، ويسمونها نجمة داود بريء منهم لما نسبوا إليه مِن أنواع الفواحش والظلم والقتل!

نعوذ بالله من ذلك، ونسأل الله أن ينصر المسلمين على هؤلاء المشركين، وإن انتسبوا إلى الأنبياء.