(الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ . وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)

  • 107

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فيشتكي كثيرٌ من الناس مِن أمرٍ يعرض له أثناء سيره إلى الله، وهو أمر لا ينفك عن أي سائر، وهو ما نسميه: بالفتور أو الملل؛ فإن الإنسان قد يجد في قلبه لذة في أول الطاعة ثم بعد ذلك يقسو قلبه، أو تذهب تلك اللذة بعض الشيء مع مرور الوقت والزمن، ويتساءل عن العلاج والدواء. 

وأنا سأصف لك -بإذن الله- في تلك الكلمات وصفة قرآنية خالصة، لكن تخيَّل أولًا: لو أن لكَ حبيبًا تحبه مِن كلِّ قلبك، وترضى من الدنيا أن يرضى، وأنه طلب منك عملًا ما ثم بعد ذلك علمتَ أنه سيأتي ليراك وأنت تعمل هذا العمل، وتفعل ما أمرك به؛ كيف سيكون شعور قلبك ومشاعرك، ودقات قلبك؟! 

نعم، كثير منا حين يعلم أن الناس يَرونه يدق قلبه؛ لأنه يريد رضاهم في الحقيقة! وهذا هو الرياء -نسأل الله العفو والعافية-.  

يريد رضا الناس، ويريد أن يثنوا عليه خيرًا؛ فتراه يدق قلبه إذا صَلَّى، وإذا قرأ في المحراب، أو إذا تَصدَّر لخُطبةٍ أو درسٍ، أو غير ذلك؛ لأنه يريد رضا الناس فيدق قلبه رهبة لذلك، وشوقًا لكي يَسمع كلمات الثناء، مع أنه يعلم أن هؤلاء بشر لا ينفعون ولا يضرون، ولا يملكون له شيئًا، وحقيقة حبه لهم حقيقة متوهمة؛ لأنها تتبدد وتزول يوم القيامة. 

فإذا ما استحضرت أنه لا يبقى لك إلا الحبيب الأول؛ حبك لله تبارك وتعالى، "الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ"؛ الذي تبقى علاقتك به ولو فَنِيَ كلُّ شيء، "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ"؛ فإنك تعلِّق قلبك به وحده، واعلم أنه يراك حين تقوم كما قال تعالى: "الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ . وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ".

حين تعلم أن حبيبك يراك؛ فمَن بعد ذلك تريد رضاه؟!

فهو عز وجل يعلم ما تفعل، ويعلم أنك تقوم، وهو يراك في قيامك، وفي تقلبك، وفي سجودك، وهو يراك من فوق سبع سماوات؛ لا يحتاج تبارك وتعالى إلى مَن يخبره بحالك، ولا يحتاج إلى مَن ينقل له ذلك الخبر؛ فالله تبارك وتعالى عليم، سميع، وبصير.

فعند ذلك يقفز قلبك سعادةً وفرحًا؛ أن الذي تعمل لرضاه يراك ويسمعك، وهو أقرب إليك مِن حبل الوريد، وهو الذي أعانك؛ فيزداد قلبك حبًّا وشوقًا لله تبارك وتعالى.