• الرئيسية
  • المقالات
  • كَشْفُ اللثَامِ مِنْ كَلَامِ الأَئِمّةِ الأَعْلَامِ (7) علماء الشافعية ورد عادية القبورية (2)

كَشْفُ اللثَامِ مِنْ كَلَامِ الأَئِمّةِ الأَعْلَامِ (7) علماء الشافعية ورد عادية القبورية (2)

  • 74

كتبه/ أشرف الشريف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد قال العلامة بدر الدين حسين بن عبد الرحمن الأهدل الشافعي الأشعري صاحب كتاب تحفة الزمن (855): (والاستغاثة بالمشايخ الأموات والأحياء مما أطبق عليه المتأخرون من المتصوفة، ولم يُنقل عن السلف المتقدمين لمعرفتهم بأنّ الاستغاثة بغير الله تعالى لا تجوز ولا تنفع، قال الله تعالى: "قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا"، وغير ذلك من الآيات، ولم يُنقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أذِن لأحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم في الاستغاثة به في شِدَّة قط، وكان حاضرًا يوم أُحد فلم يملك من الأمر شيئًا كما قال الله تعالى: "لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ"، وإنما يُستشفع به إلى الله تعالى في تفريج الكرب وتسهيل الشدائد، وكذا بالصالحين من عباد الله فاعلم ذلك ولا تتبع جهالات المتأخرين).

وها هو ابن حجر الهيتمي يوافق الإجماع الذي نقله ابن مفلح في الفروع والقائل بتكفير من جعل بينه وبين الله واسطه يدعوه ويسأله المدد، قال الهيتمي: (وحاصل عبارة الفروع: أن مما يكون كفرًا جحد صفة له تعالى اتفق على إثباتها… ومن ذلك: أن يجعل بينه وبين الله تعالى وسائط يتوكّل عليهم ويدعوهم ويسألهم قالوا: إجماعًا).

وصرَّح الهيتمي بأن ما يجري من منكرات القول والفعل عند تلك الأضرحة من الكبائر وأسباب الشرك، ورد على من يستدلون بورود الكراهة عن بعض العلماء فقال في "الزواجر عن اقتراف الكبائر": (الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالتِّسْعُونَ: ‌اتِّخَاذُ ‌الْقُبُورِ ‌مَسَاجِدَ، وَإِيقَادُ السُّرُجِ عَلَيْهَا، وَاِتِّخَاذُهَا أَوْثَانًا، وَالطَّوَافُ بِهَا، وَاسْتِلَامُهَا، وَالصَّلَاةُ إلَيْهَا).

وقال: (‌وَأَسْبَابِ ‌الشِّرْكِ ‌الصَّلَاةُ ‌عِنْدَهَا ‌وَاِتِّخَاذُهَا ‌مَسَاجِدَ ‌أَوْ ‌بِنَاؤُهَا ‌عَلَيْهَا، وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ إذْ لَا يُظَنُّ بِالْعُلَمَاءِ تَجْوِيزُ فِعْلٍ تَوَاتَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعْنُ فَاعِلِهِ، وَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ لِهَدْمِهَا وَهَدْمِ الْقِبَابِ الَّتِي عَلَى الْقُبُورِ إذْ هِيَ أَضَرُّ مِنْ مَسْجِدِ الضِّرَارِ؛ لِأَنَّهَا أُسِّسَتْ عَلَى مَعْصِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَدْمِ الْقُبُورِ الْمُشْرِفَةِ، وَتَجِبُ إزَالَةُ كُلِّ قِنْدِيلٍ أَوْ سِرَاجٍ عَلَى قَبْرٍ وَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ وَنَذْرُهُ) (انْتَهَى).

ويطوّف بنا محيي الدين النووي بكلام يجعل الشافعية المتأخرين مع المتقدمين وجموع الأمة في إجماعهم على تبديع مسلك القبورية؛ ليتبين من ذلك انفصال هؤلاء القبورية عن جموع الأمة المحمدية؛  قال النووي رحمه الله: (قَالَ الْعُلَمَاءُ: ‌إِنَّمَا ‌نَهَى ‌النَّبِيُّ ‌صَلَّى ‌اللَّهُ ‌عَلَيْهِ ‌وَسَلَّمَ ‌عَنِ ‌اتِّخَاذِ ‌قَبْرِهِ ‌وَقَبْرِ ‌غَيْرِهِ ‌مَسْجِدًا ‌خَوْفًا ‌مِنَ ‌الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِهِ وَالِافْتِتَانِ بِهِ، فَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى الْكُفْرِ، كَمَا جَرَى لِكَثِيرٍ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، ولما احتاجت الصَّحَابَةُ رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعُونَ إِلَى الزِّيَادَةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ، وَامْتَدَّتِ الزِّيَادَةُ إِلَى أَنْ دَخَلَتْ بُيُوتُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهِ، وَمِنْهَا حُجْرَةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَدْفِنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ بَنَوْا عَلَى الْقَبْرِ حِيطَانًا مُرْتَفِعَةً مُسْتَدِيرَةً حَوْلَهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ فِي الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّيَ إِلَيْهِ الْعَوَامُّ وَيُؤَدِّي الْمَحْذُورَ، ثُمَّ بَنَوْا جِدَارَيْنِ مِنْ رُكْنَيِ الْقَبْرِ الشَّمَالِيَّيْنِ وَحَرَّفُوهُمَا حَتَّى الْتَقَيَا، حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ أَحَدٌ مِنِ اسْتِقْبَالِ الْقَبْرِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الحديث: ولولا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ).

ألا فليسمع بهذا مَن يجوِّزون الطواف بالأضرحة، ويزِّينون طرائق الشرك، ويبررون لمسالكه وأوحاله.

وكلام النووي يحتاج لوقفاتٍ معه، ويحتاج لشرح ونشر، ففيه رد عادية متعالمي زماننا، وكلامه عين ما يقوله أتباع نهج السلف، ثم يأتي بعد ذلك مَن يزِّين للناس التمسح بالأضرحة ودعاء ساكنيها الأموات، ويكذب وينسب زيفه للأئمة.

فيا للعضيهة -الإفك-! قُتِل الحياء، وضُيِّعت الأمانة! ولا حول ولا قوة إلا بالله.