الإيمان الحقيقي وسمات الشخصية المؤمنة

  • 61

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فالإيمان الحقيقي إذا حلَّ بالقلب لا بد أن تظهر له آثار على القلب والجوارح، وكذلك على النفس وما فيها مِن شعور وإحساس، وتصرفات، وبداية يلمس صاحب الإيمان في بداية حلوله بالقلب متغيرات وأحوالًا، كالجائع شديد الجوع في صحراء قاحلة يرى شجرة مثمرة تسد جوعه بثمارها الناضجة، وكذلك كمن فقد ماءه في سفر فإذا بينبوع ماء تحت ظل ظليل يروي به ظمأه.

وكذلك الإيمان بلسم وشفاء لمَن اشتد به المرض وأوشك على الهلاك؛ فإذا بالعافية تدب في جسد أنهكته العلل، وإذا بالقوة تعود وتسري في سائر جسده ليتأهل لأداء مستلزمات الإيمان وواجباته؛ فالإيمان خير عمل، وهو قول وعمل؛ قول باللسان والقلب، وعمل بالقلب واللسان والجوارح، ولا بد له من بداية صادقة ويقين فيقوى ويزداد، فينير اللب ويحمي النفس، ويبعث بالقوة إلى الجوارح، والبصيرة في القلب.

والإيمان يجعل العين تدمع بما عرف القلب من الحق، ويجعل القلب حزينًا إذا قصَّر صاحبه في الطاعة كالتفقه في دين الله عز وجل، ومع زيادة الإيمان يتغير حال القلب والعين والجوارح؛ فتكون هناك توبة وعودة إلى الله عز وجل.

ومع الإيمان لا بد من ثبات ودوام، ولا بد من ثمار ونتائج؛ فالإيمان نور يضيء جنبات القلب ويسري ذلك إلى النفس؛ فتولد ولادة جديدة، وتخرج من مشيمة الطبع والنفس والهوى، وتتغير من خلالها السمات الشخصية لتلك النفس مع كل المخلوقات لاتصالها بالخالق اتصالًا يزيل كل العوائق أو الشبهات والأهواء.

وتظهِر تلك الشخصية المؤمنة قدرات عجيبة كانت مدفونة بفعل الشرك أو الهوى والشبهات، وتظهِر سمات فريدة من تصرفات وأخلاق لم تكن لتظهر إلا من خلال استقرار بذرة الإيمان في القلب وسقيها بماء الذِّكْر والصدق واليقين، فتنمو البذرة وتترعرع كشجرة لتصل ثمارها لكل الجوارح تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

وقد ظهر ذلك الخير في كل أتباع الرُّسُل حين صدَّقوا المرسلين، وآمنوا برب العالمين؛ فالإيمان نور وحياة إذا استقر في القلب لا بد أن يلحظ صاحبه بجديد في حياته؛ فرحة وسعادة بربه عز وجل، وكفاية ومنعة وقوة بخالقه عز وجل، وطمأنينة وثبات، وثقة ويقين بكلِّ الأوامر الشرعية، ورضا بالأقدار الكونية.

شخصية جديدة بدأت المسير على أرض الواقع استنارت بطاعة ربها؛ لا هم لها إلا: "وعجلت إليك رب لترضى"، وبذلك لا بد أن يرضى ولسوف يرضى.

يقظة وحياة قلب جديد، ونفس تواقة، وروح جديدة تسري في جميع ذرات الجسد؛ ظمأى للوحي، لكلام الله عز وجل، تخشع وتتأثر لسماعه، وتركع وتسجد نادمة باكية على ما فرَّطت في جنب الله.

شخصية جديدة متميزة تتنافس وتسابق وتعوض ما فاتها، ولسان حالها: "إن استطعت ألا تسبق إلى الله فافعل"، وكذلك تحذر تلك النفس إعراض الله عنها؛ فتالله ما عدا عليك الشيطان إلا عندما أعرض عنك الولي، ولا تظن أن الشيطان غالب، ولكن الحافظ أعرض.

فاللهم حبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.