عاجل

التعظيم أصل الإحسان

  • 59

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد أمرنا الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن نحسن معاملتنا لجيراننا من غير المسلمين؛ كما أمر الله في كتابه: (‌وَاعْبُدُوا ‌اللَّهَ ‌وَلَا ‌تُشْرِكُوا ‌بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) (النساء: 36).  

(وَالْجَارِ الْجُنُبِ) هو: الجار غير المسلم، والإحسان إليه أمر مِن مقتضى كونك عبدًا لله، ملتزمًا بأوامره، وكلما صحت عبودية المسلم، ارتقى في مراتب الإحسان، وحسنت معاملاته مع غيره.

وأصل صحة عبودية المسلم تستلزم منه ألا يشرك بالله أحدًا، كما جاء ذلك في أول الآيات: (‌وَاعْبُدُوا ‌اللَّهَ ‌وَلَا ‌تُشْرِكُوا ‌بِهِ شَيْئًا)، وهذا يقتضي منه ألا يكون مجاملًا أبدًا في أمر عقيدته، بل يتوجب عليه أن يوقن بما قاله الله عز وجل واصفًا به نفسه أو بما وصفه به رسوله، معتزًا بذلك، وأن يكون فعله مطابقًا لما يقرأه ويتعبد به في صلاته لربه، بما جاء في كتاب ربه كما في سورة الإخلاص التي وَصَف الله فيها نفسه بقوله: (قُلْ هُوَ ‌اللَّهُ ‌أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (الإخلاص).

فلا يعتقد أن الله له زوجة أو له ولد، أو أنه ثالث ثلاثة، أو أنه قد وُلِد، أو غير ذلك مما هو سب وانتقاص لله -تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا-، ولا يقر بناءً على ذلك أفعال مَن يفعلون ذلك ويسبون الله، فلا يهنئهم على عقيدتهم التي يَدَّعون فيها أن الله له ولد، أو أن الله قد وُلِد، أو أنه قد مات ثم قام للحياة مرة أخرى! تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

ففرق كبير بين إحسان المعاملات التي أمر الله بها عباده في كتابه، وبين المجاملة في أمر العقيدة التي نهى الله عنها في كتابه، وعلى لسان رسوله؛ فرق كبير بين هذا وذاك.

وعلى الحقيقة: إن مَن يفرط في حقِّ الله ويضيعه مِن أجل شهوة عارضة أو مداهنة قائمة؛ فإنه لما دونه مِن حقوق المخلوقين أضيع عند أول فرصة سانحة؛ فإحسان المعاملة للمخلوق فرع عن صحة التعظيم للخالق، والاعتزاز بالعقيدة، لا المجاملة فيها، وكلما استقام أمر تعظيم الرب في النفوس واستقام الاعتقاد وانضبطت التصرفات بناءً على ذلك، ازدادت دائرة الإحسان للخلق أجمعين؛ والعكس بالعكس.