التحديات المميتة... وأزمة القِيَم!

  • 72

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلم يكن موت طالب مراهق مؤخرًا في مصر؛ بسبب تحدي (القفز لأعلى) إلا جرس إنذار لمئات الأسر، في ظل إقدام كثير من الأطفال والمراهقين على تنفيذ مثل هذه التحديات المميتة والأفكار الشيطانية التي غزت مجتمعاتنا الإسلامية، واستهدفت عقول شبابنا، فبين تحدي (التعتيم) و(الحوت الأزرق) و(كتم الأنفاس) و(تشارلي)، وصولًا إلى (القفز لأعلى)، يفقد العديد منهم حياتهم.

إنّ العديد من الأسباب والدوافع النفسية قد تحفز هؤلاء الشباب لممارسة هذه الأنواع الخطيرة من التحديات، وتتفاوت تلك الدوافع بين التقليد الأعمى، والرغبة في التسلية، وإثبات القدرة على الصمود والشجاعة بين الأصدقاء، والحصول على الشهرة، وتصل في بعض الأحيان إلى الإدمان والمداومة عليها!

إن التقليد الأعمى لهذه التحديات المميتة ما هو إلا عَرَض لأزمة خطيرة تعاني منها مجتمعاتنا؛ إنها أزمة قيمية ضاربة في عمق الحياة العامة بجميع مجالاتها، إنها أزمة طالت انعكاساتها كل الناس، ومختلف الأعمار، وفي مقدمتهم: الشباب.

وفي الوقت الذي لا نستطيع فيه الحيلولة بين أبنائنا وبين الإنترنت، ولا منع هذه البرامج وحجبها؛ فليس أمامنا مِن سبيل لتجنيب أبنائنا السقوط في هذه السلوكيات الشيطانية، والقِيَم الزائفة إلا التشبث بقيمنا الثابتة ومثلنا العليا، والعمل على ترسيخها بمختلف الوسائل والسبل، مع وضع البرامج التي تساهم في تحصين الشباب وغرس القيم الإيمانية، وترسيخ مراقبة الله -تعالى- في نفوسهم.

وعلى الشباب أن يدركوا أنَّ للمُسلمِ هويَّته التي تميِّزه عن غيرِه، وشَريعته التي فضَّله اللهُ بها على العالمين، وقدْ كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حريصًا على بَقاءِ هذا التَّميُّز والتَّفضيل، وحذَّرنا صلى الله عليه وسلم من الانسياق وراء مثل هذه الأفعال والأفكار، فعن أبي سعيد رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (‌لَتَتَّبِعُنَّ ‌سَنَنَ ‌مَنْ ‌قَبْلَكُمْ ‌شِبْرًا ‌بِشِبْرٍ، ‌وَذِرَاعًا ‌بِذِرَاعٍ، ‌حَتَّى ‌لَوْ ‌سَلَكُوا ‌جُحْرَ ‌ضَبٍّ ‌لَسَلَكْتُمُوهُ)، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى قَالَ: (فَمَنْ؟!) (متفق عليه).

في هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بما يكونُ عليه حالُ أُمَّتِه في وقت من الأوقات التي تَأتي بعد زمانه صلى الله عليه وسلم، وهي: مُتابعة غير المسلمين في عاداتهم وتقاليدهم وسُلوكيَّاتهم؛ فقلَّدوهم في ملابسهم وشَعائرهم، وقَلَّدوهم في أعيادهم، وفيما همْ عليه من أخلاقٍ ذميمةٍ، وعاداتٍ فاسدةٍ تُخالِفُ شريعة الإسلام المُطهَّرة.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (‌حَتَّى ‌لَوْ ‌سَلَكُوا ‌جُحْرَ ‌ضَبٍّ ‌لَسَلَكْتُمُوهُ)؛ جاء ضرب المثل فيه بجحر الضب؛ لشدة ضيقه ورداءته، ونتن ريحه وخباثته، وفيه دليل على الاتباع المطلق لغير المسلمين، وشدة موافقتهم وتقليدهم، حتى لو كان مِن وراء هذا التقليد، السوءُ والشرُّ، والوقوع في الحرج والضر، والضيق والعنت، والمخالفة والمعاصي، وحتى لو كان مِن ورائه سوءُ النتائج، ووخيم العواقب!