الحوار الوطني والحريات وحقوق الإنسان (1)

  • 73

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالحريات وحقوق الإنسان أحد أهم لجان المحور السياسي بالحوار الوطني؛ خاصة بعد إطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في سبتمبر 2021.

وتبحث هذه اللجنة الفرعية الموضوعات التالية:

1- التعذيب (التعريف - إقامة الدعوى الجنائية - حد الضرر).

2- أوضاع السجون (مراكز الإصلاح ومراكز الاحتجاز - الإشراف القضائي- اللوائح المنظمة).

3- تعديل أحكام الحبس الاحتياطي وتقييد الحرية، وقواعد التعويض عنهما، والتحفظ على أموالهم والمنع من السفر، واستئناف الجنايات، وحماية الشهود والمبلغين.

4- حرية التعبير والرأي (أحكام حرية وسائل الإعلام والصحافة، واستقلالها وحيادها وتعددها، والعقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر والعلانية، وقانون حرية تداول المعلومات).

5- قواعد وأحكام تشجيع التفاعل بين الجماعة الأكاديمية المصرية ونظيرتها في الخارج، وحرية البحث العلمي ومتطلباته.

6- الإبداع، والعقوبات السالبة للحرية.

7- التزام الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وتنظيم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض؛ مفوضية القضاء على التمييز.

ولنا مع هذه الموضوعات وقفات ونقاش خلال هذا المقال وما يليه:

فينبغي أن تُصبَغ ممارستنا للحقوق والحريات بصبغة بيئتنا وثقافتنا العربية الإسلامية، بلا إفراطٍ، ولا تفريطٍ، حتى يتقبلها المجتمع، ويتفاعل معها، فحقوق الإنسان من تكريم الله سبحانه لبنى آدم، حيث خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له الملائكة، وسخَّر له ما في الأرض؛ قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء: 70).

ولكي نحقق ذلك لا بد مِن مراعاة ما يلي:

أولًا: أن العلاقة بين الإنسان وربه هي العبودية (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، أما العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان؛ فهي الحرية المنضبطة شرعًا.

ثانيًا: أن كل حق يقابله واجب؛ سواء أكان سلوكًا شخصيًّا مِن صاحب الحق لنفسه، أو تجاه الآخرين؛ أفرادًا ومجتمعًا.

وقد جاء في المادة التاسعة والعشرين مِن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "على كل فرد واجبات إزاء الجماعة التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل".

ثالثًا: أن الحقوق والحريات لا تعمل في الفراغ، بل ترتبط بالمقومات الأساسية للمجتمع، وقد جاء في المادة التاسعة والعشرين مِن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "لا يخضع أي فرد في ممارسة حقوقه وحرياته إلا للقيود التي يقررها القانون مُستهدفًا منها حصرًا، ضمان الاعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين واحترامها، والوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام، ورفاء الجميع في مجتمع ديمقراطي".

إذًا قرَّر الإعلان العالمي أن كلَّ حق يقابله واجب، كما قرر قيودًا للممارسة، أهمها: "النظام العام".

إن فكرة النظام العام في فقه القانون تعبِّر -بصفة عامة- عن الأسس الدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي يقوم عليها نظام المجتمع، والتي تهدف إلى تحقيق الحد الأدنى الذي لا يمكن الاستغناء عنه في بناء الجماعة وكيانها، وعلى ذلك كانت القواعد المتعلقة بها من القواعد الآمرة التي لا تملك إرادة الأفراد إزائها أي سلطان أو قدرة على مخالفتها؛ لما في ذلك من تعريض كيان المجتمع للانهيار والتصدع.

وقد تَرْجَم الدستور المصري الصادر عام 2012 هذه المعاني عندما نص في مادته الحادية والثمانين على أن تُمارس الحقوق والحريات بما لا يتعارض مع المقومات الواردة في باب الدولة والمجتمع بهذا الدستور، والذي يتضمن المقومات السياسية، والمقومات الاجتماعية والأخلاقية، والمقومات الاقتصادية.

وأما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ فقد نص في المادة 12/3 الخاصة بحرية التنقل وحرية اختيار مكان الإقامة على أنه لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة أعلاه بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم.

ووردت الضوابط أيضًا بالمادة 14 الخاصة بالمساواة أمام القضاء، والمادة 18/3 الخاصة بحرية الفكر والوجدان والدِّين، والمادة 19/3 الخاصة بحرية التعبير، والمادة 21 الخاصة بالتجمع السلمي، والمادة 22/2 الخاصة بحرية تكوين الجمعيات والنقابات، وهي نفس القيود الواردة في اتفاقية حقوق الطفل (20/11/1989 نفاذ 2/9/1990) في المواد أرقام 13/2، 14/3، 15/2.

بيد أن موقف هذه المصادر الدولية من الحقوق والحريات السلبية هو رفض أي ضوابط أو قيود رفضًا مطلقًا؛ ففي اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والمعتمدة من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1984 نفاذ 26/6/1987، تنص المادة 2/2: 3 على أنه لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيًّا كانت؛ سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب، أو تهديدًا بالحرب، أو عدم استقرار سياسي داخلي، أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب.

ولا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة، أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب، ونصت المادة 3/1 على أنه لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص، أو أن تقيده، أو أن تسلمه إلى دولة أخرى إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب.

إذًا نستنتج من العرض السابق: أنه ليس من الصحة في شيء أن المواثيق والعهود الدولية قد أعطت الحقوق بلا ضوابط من الصالح العام، أو النظام العام، أو قِيَم المجتمع الأساسية.

وللحديث بقية -إن شاء الله تعالى-.