إيجابية لازمة (2)

  • 62

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنستكمل كلامنا عن الإيجابية المطلوبة في ظلِّ الأزمة الاقتصادية الراهنة:

٣- من الإيجابية المطلوبة في ظلِّ هذه الأزمة الاقتصادية: أن يسعي كلُّ واحد منا في إعانة غيره ما استطاع إلى ذلك سبيلًا -سواء كنت بائعًا أو سائقًا، أو موظفًا أو طبيبًا، أو عاملًا أو في أي مهنة كنت-؛ فأنت أول المستفيدين في ذلك؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (وَاللهُ ‌فِي ‌عَوْنِ ‌الْعَبْدِ ‌مَا ‌كَانَ ‌الْعَبْدُ ‌فِي ‌عَوْنِ ‌أَخِيهِ) (رواه مسلم).

فمَن سعى في إعانة الناس فاز حينئذٍ بإعانة الله له في أمر دنياه وآخرته، ولا مقارنة حينئذٍ تُذكَر بين إعانة العبد الضعيف الفقير لعبدٍ مثله، وإعانة الرب الغني العظيم الكريم لعبده الضعيف؛ فالله -عز وجل- هو المدبِّر وهو المالك، وهو المسعر، وهو الرازق سبحانه و-تعالى-، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، يقول للشيء: "كن فيكون".

فإن مَنَّ الله عليك بنعمة، فَأَشْعر بها مَن حولك ولو بجزءٍ قليلٍ من هذه النعمة امتثالًا لأمر نبيك -صلى الله عليه وسلم-، وشكرًا لله عليها لتنال بذلك الأجر عند الله وليحفظها الله عليك ويزيدها لك، فقد قال -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ ‌شَكَرْتُمْ ‌لَأَزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم: 7)، وقد أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فقال: (مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ ‌فَضْلُ ‌زَادٍ، ‌فَلْيَعُدْ ‌بِهِ ‌عَلَى ‌مَنْ ‌لَا ‌زَادَ ‌لَهُ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ لَا حقَّ لأحدٍ منَّا في فضلٍ) (رواه مسلم).

فلو كنتَ تاجرًا تبيع وتشتري؛ فاتَّقِ الله في الناس، وكن سمحًا في بيعك وشرائك، فـ(«‌رَحِمَ ‌اللهُ ‌رَجُلًا، ‌سَمْحًا ‌إِذَا ‌بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى) كما قال -صلى الله عليه وسلم-، واحذر أن تكون من هؤلاء التجار الجشعين الذين يحتكرون السلع حتى ترتفع الأسعار؛ فهؤلاء لا يبارك الله لهم في أموالهم أو أرزاقهم، بل قد يُطردون من رحمة ربهم؛ بسبب خطئهم وإثمهم هذا، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌يَحْتَكِرُ ‌إِلَّا ‌خَاطِئٌ) (رواه مسلم)، أو كما رُوي عنه -صلى الله عليه وسلم-: "‌الْمُحْتَكِرُ ‌مَلْعُونٌ" (رواه الحاكم، وضعفه الألباني)، فهناك صنف من التجار كلما ازداد ارتفاع سعر الدولار، سارع في تخزين بضاعته ومنعها عن الناس، وأوقف تجارته، وأخفى بضائعه التي عنده؛ لأجل أن يبيعها بسعر أعلى ويزداد ربحه بعد مدة، وهو بذلك يساهم في زيادة الأسعار ومعاناة الناس معرِّضًا نفسه لمحق البركة، والوعيد من الله.

وهناك نوع آخر من التجار وأصحاب الأموال ممَّن وفقهم الله؛ كلما ضاقت الأرزاق على الناس بسبب غلاء الأسعار لزيادة سعر الدولار؛ بادروا وجَدُّوا في تحريك عجلة التجارة الرابحة مع الله، ببذل المزيد والمزيد من تحريك السلع وبيعها بأسعارها، طبقًا لربحهم الطبيعي عند شرائها دون احتكار لها، مع ما ينفقونه أكثر وأكثر، ويزيدون في إنفاقهم وصدقاتهم على مَن ضاقت بهم الأرزاق؛ موقنين بكلام خاتم النبيين -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: (ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ ‌مِنْ ‌صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

فأولئك هم الموفقون من أهل الأموال والتجار ممَّن يحسنون استغلال الأزمات بإيجابية في التجارة مع الله؛ بإكثار الصدقات، والتخفيف من معاناة الناس في هذه الأوقات يقينًا بقوله -تعالى-: (‌مَنْ ‌ذَا ‌الَّذِي ‌يُقْرِضُ ‌اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) (البقرة: 245).

وللحديث بقية إن شاء الله.