إيجابية لازمة (3)

  • 58

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد ذكرنا -في المقال السابق- أن هناك صنفًا مِن التجار وأصحاب الأموال ممَّن وَفَّقهم الله مِن أهل الأموال والتجارة، يحسنون استغلال الأزمات بإيجابية في التجارة مع الله؛ بإكثار الصدقات، والتخفيف من معاناة الناس في هذه الأوقات يقينًا بقوله -تعالى-: (‌مَنْ ‌ذَا ‌الَّذِي ‌يُقْرِضُ ‌اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً(البقرة: 245).

فإن كنت طبيبًا أو معلمًا: فتصدق بجزء من علمك على الفقراء أو أبنائهم، ولا تُحوجهم إلى التذلل للجشعين من الأطباء أو المدرسين الذين يستنزفونهم؛ لتعليم أبنائهم أو علاجهم.

وإن كنت ممَّن لهم فضل زاد -قل أو كثر-: فحينما تأكل وجبة أنت وأولادك في بيتك، أو في أي مكان كان -مهما كان نوعها-؛ فاعتبر أن هناك فردًا زائدًا معكم، وتصدق بوجبة الفرد هذه على مَن ضاقت بهم أرزاقهم في تلك الأزمة الاقتصادية الطاحنة، ولا تستقل أو تستحيي من نوع هذه الوجبة مهما كان؛ فالحرمان دائمًا أقل.

وحينما تكون في مناسبة، أو قد أقمتَ أنت مناسبة يتم تقديم الطعام فيها؛ فلا تترك أكلًا باقيًا يُرمَى، بل اجمع الأكل الباقي ونسِّقه وجهِّزه في لفةٍ جيدة وتصدَّق به؛ فكم مِن أناسٍ لا يجدون فتات ما تأكل!

وإن كنتَ يومًا في طريقك للعمل ونويتَ أن تشتري إفطارًا لك -ولو كان رغيفًا من الفول من عربة الفول-، فاشترِ رغيفًا زائدًا عن حاجتك، وانظر حولك، وستجد قطعًا طفلًا أو امرأة يتطلع / تتطلع بلهفةٍ إلى عربة الفول تلك، ولا تجد ما تشتري به!

وإذا كنتَ ممَّن مَنَّ اللهُ عليهم بفضل ظهر (دابة تركبها) -سواء كانت سيارة أو حتى أقل من ذلك- وكنت في طريقك لعملك أو لمصلحة ما؛ فابحث فيمَن حولك عن شخصٍ يحتاج إلى ركوب مواصلات للوصول لمصلحته في طريقك، أو توقف في الطريق لمَن تجده منتظرًا لسيارة أجرة في نفس خطِّ سيرك، ووفِّر عليه ثمن أجرة المواصلات التي صارت مضلعةً لكثيرٍ مِن الأُسَر الآن.

- أما إن كنتَ ممَّن لا يجد شيئًا البتة ينفقه، فأبشر وكن من الصادقين في نيته، وابذل ما في وسعكم وإمكاناتك من نفع غيركم بما تقدر عليه؛ يبارك لك الله في رزقك، واعلم أنه ما نقص مال من صدقة، بل تزده، بل تزده، بل تزده، والصدقات متعددة إن لم تجد ما تنفقه من الأموال والزاد؛ فالكلمة الطيبة صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وفي كل ذات كبد رطبة صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقة، وتعين صانعًا أو تصنع لأخرق صدقة، وتكـف آذاك عـن الناس فإنهـا صدقة، وكل معروف تصنعه لغيرك فهو صدقة.

وفي الختام: فلنعلم جميعًا أن مَن كان لله كما يريد، كان الله له فوق ما يريد، وأن الله -عز وجل- قال: (إِنَّ اللَّهَ ‌لَا ‌يُغَيِّرُ ‌مَا ‌بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ(الرعد: 11)، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى يعلِّمنا وينصحنا دائمًا بأقواله الصادقة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (الرَّاحِمُونَ ‌يَرْحَمُهُمُ ‌الرَّحْمَنُ(رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (وَاللهُ ‌فِي ‌عَوْنِ ‌الْعَبْدِ ‌مَا ‌كَانَ ‌الْعَبْدُ ‌فِي ‌عَوْنِ ‌أَخِيهِ(رواه مسلم)، وقال: (‌خَيْرُ ‌النَّاسِ ‌أنْفَعُهُمْ ‌لِلنَّاسِ(رواه الطبراني، وحسنه الألباني)، وقال: (ارْحَمُوا ‌مَنْ ‌فِي ‌الأَرْضِ ‌يَرْحَمْكُمْ ‌مَنْ ‌فِي ‌السَّمَاءِ(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

فليبدأ كلُّ واحدٍ منا بنفسه أولًا، وليكن دائمًا إيجابيًّا؛ لننال جميعًا الخيرية في الدنيا والآخرة عند ربِّ البرية.