هزة قلبية!

  • 46

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن الزلزال المدمر الذي ضرب الحدود التركية السورية فيه عبرة وعظة بليغة، فبينما الناس في بيوتهم آمنين مطمئنين؛ إذا بهم يجدون أنفسهم تحت الأنقاض، ما بين قتيل وجريح، وناج وهالك، ولا تسمع إلا العويل والنحيب، ودمار وخراب هنا وهناك؛ كل ذلك في ثوانٍ معدودةٍ! فسبحان الله الحي القيوم!

إنها فاجعة هزَّت قلوب المسلمين في كل مكان، وتركت وراءها آلاف القصص المأساوية المُبكية، وسيلًا من المشاهد المؤلمة؛ فهذه أم تحتضن أولادها وتفضِّل الموت معهم، وهذا أبٌ يموت وهو ينقذ أبناءه، وهذه صرخات أطفال من تحت الأنقاض، تدمي القلوب، يسمعها الناس ولكنهم عن فعل شيء عاجزون.

ذكريات مؤلمة لن تُفارق مَن عاشوها، فـالناجون منهم ربما اختلطوا للحظات أو ساعات بجثث ذويهم، وكابدوا لحظات موتهم؛ إنها لحظات لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة البشر!

لقد جاء الزلزال هزّةً للقلوب؛ لندرك أنَّ الله -تعالى- مُقلّب الأحوال، ومُغيّر الأمور، وأنَّه -سبحانه- إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون، وأن بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حالٍ إلى حالٍ، وأنَّ البلاء إذا نزل عم الصالح والطالح، والصغير والكبير، ثم يُبعث كلٌّ على نيته، فله -سبحانه وتعالى- الحكمة البالغة، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، كقوله -تعالى- محذرًا أهل القرى الذين كفروا وكذبوا رسلهم، أن يأتيهم عقاب الله في أي وقت: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ . أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ .) أَفَأَمِنُوا ‌مَكْرَ ‌اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ ‌مَكْرَ ‌اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ(الأعراف: 97-99).

إنَّها هزّةٌ للقلوب الغافلة عن نعم الله -تعالى- التي لا تُعَدُّ ولا تحصى، والتي من أعظمها: نعمة العافية؛ تلك النعمة التي لا يدركها إلا مَن فقدها؛ فالعافية إذا دامَت جُهِلَت، وإذا فُقِدَت عُرِفَت لذتُها وانكشفت متعتُها، فما أحوجنا -ونحن آمنون مطمئنون في حصن العافية- إلى اليقظة والإفاقة، والتوبة والإنابةِ، والدعاء وقت الرخاء قبل نزول البلاء!

إنَّها عبرة وموعظة، وآية مِن الله لعباده منذرة، وتخويف منه -سبحانه- لهم بأنَّ الموت يأتي بغتة لعلهم يتوبون وإليه يرجعون؛ قال -تعالى-: (فلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا(الأنعام: 43)، وفي زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- زُلزلت الأرض، فخطب -رضي الله عنه- في الناس وحثَّهم على التوبة والرجوع إلى الله.

إنَها هزّةٌ تُذَكِّرُنا بِزلزلة يَومِ القيامَةِ، وأهوالِ الآخِرَةِ؛ تلك الزلزلة العظيمة التي تذهل معها العقول، ويشيب لها الولدان، والكل في سكرة من الفزع والهول العظيم، الذي لا نجاة فيه إلا لمن اتقى الله -تعالى-، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ(الحج: 1).

إنَّها هزّةٌ تدعونا إلى المبادرة بالأعمال الصالحة قبل فوات الأوان، وقبل أن تداهمنا الفتن، فيحال بيننا وبين فعل الخير، كما روي في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "بادِروا بالأعمالِ سبعًا، هل تنتِظرونَ إلَّا مرضًا مُفسدًا، أو هَرمًا مُفندًا، أو غنًى مطغيًا، أو فَقرًا مُنسيًا، أو موتًا مُجهِزًا، أو الدَّجالَ، فشرُّ مُنتظَرٍ، أو السَّاعةُ، والسَّاعةُ أدهَى وأمَرُّ" (رواه الترمذي، وضعفه الألباني).