الحور بعد الكور!

  • 80

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فنجد بعض الناس عامة "والشباب على وجه الخصوص"، يتحول من الاستقامة والالتزام والهداية إلى الميل والانحراف، واتباع طرق الضلال، وأحيانًا يبرر لنفسه أسباب هذا التحول، لكن بداخله إحساس يضيق به صدره، واكتئاب يجعله لا يميِّز بين الحق والباطل.

ولا يدري أن سبب هذا التحول وهذا الانتكاس: أنه من البداية لم تكن استقامته على أساس قويم، ومنهج سليم، وضوابط شرعية، وفهم للنصوص من خلال علماء أجلاء، بل عَبَد الله واختار طريق الالتزام على ترددٍ دون معرفة بالسنن الكونية؛ فتجده مِن أول اختبار ينقلب ويخسر، قال -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (الحج: 11).

ولقد استعاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحور بعد الكور كما جاء في صحيح مسلم وسنن الترمذي من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ -رضي الله عنه- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ، وَالْمَالِ".

قال الإمام الترمذي -رحمه الله-: "وَيُرْوَى: الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْنِ" أَيْضًا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْنِ أَوِ الْكَوْرِ" -وَكِلَاهُمَا لَهُ وَجْهٌ-: إِنَّمَا هُوَ الرُّجُوعُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ، أَوْ مِنَ الطَّاعَةِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ".

فاحذر من هذا التحول وابتعد عن أسبابه، مثل اتباع الهوى، والنفس الأمَّارة بالسوء، واحرص على التعلم والاستفادة من أهل العلم، ودراسة سيرة الصحابة -رضوان الله عليهم-، وأكثر من طاعة الله، فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ولا تنظر لصغر المعصية ولكن انظر إلى مَن عصيت، وتجنَّب أصدقاء السوء الذين يسهِّلون لك -حتمًا- فعل المعاصي، وارحل عن المكان والأجواء التي أغرقتك بالمعاصي؛ لأن العاقبةَ وخيمة، فإن المرء يُبعَث على ما مات عليه.

والله أسأل أن يثبتنا على الدِّين؛ ففي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ) (رواه مسلم).

فاللهم يا حنَّان يا منَّان، اجعل أحسن أعمالنا خواتيمها، وتوفّنَا وأنت راضٍ عنا، نعوذ بك من زوال نعْمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقْمتك، وجميع سخطك.