عاجل

إن الله يأمر بالعدل والإحسان (١)

  • 85

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد قال الله -سبحانه وبحمده-: (إِنَّ اللَّهَ ‌يَأْمُرُ ‌بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: 90).

ذكر القرطبي -رحمه الله- عن عثمان بن مظعون -رضي الله عنه- أنه قال: "لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَرَأْتُهَا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَعَجَّبَ، فَقَالَ: يا آل غالب، اتبعوه تفلحوا، فوالله إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ لِيَأْمُرَكُمْ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. وَفِي حَدِيثٍ: إِنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا قِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) الْآيَةَ، قال: اتبعوا ابن أخي، فو الله إِنَّهُ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ" (تفسير القرطبي).

وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "هَذِهِ أَجْمَعُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِخَيْرٍ يُمْتَثَلُ، وَلِشَرٍّ يُجْتَنَبُ" (تفسير القرطبي).

وانظر لبركة القرآن المجيد وأثره في هداية الناس، وتسكين وتطمين قلوبهم؛ حتى لا نتكاسل ولا نتباطأ عن نشر النور الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ولو حتى بتشغيل الأجهزة بالقرآن في بيوتنا، وفي أعمالنا، وفي المحلات وفي السيارات، وغيرها. 

قال القرطبي -رحمه الله-: "وَقَالَ عِكْرِمَةُ: قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ" إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ" إلى آخرها، فقال: يا بن أَخِي أَعِدْ! فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةٌ، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةٌ، وَإِنَّ أَصْلَهُ لَمُورِقٌ، وَأَعْلَاهُ لَمُثْمِرٌ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ بَشَرَ! وَذَكَرَ الْغَزْنَوِيُّ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ هُوَ الْقَارِئُ. قَالَ عُثْمَانُ: مَا أَسْلَمْتُ ابْتِدَاءً إِلَّا حَيَاءً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَأَنَا عِنْدَهُ ‌فَاسْتَقَرَّ ‌الْإِيمَانُ ‌فِي ‌قَلْبِي، ‌فَقَرَأَتْهَا ‌عَلَى ‌الْوَلِيدِ ‌بن ‌المغيرة فقال: يا بن أَخِي أَعِدْ! فَأَعَدْتُ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةٌ… وَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ" (تفسير القرطبي).

ونأخذ من قول الله -تبارك وتعالى- في هذه الآية المباركة: (إِنَّ اللَّهَ ‌يَأْمُرُ ‌بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) محبة الله العظيمة للعدل؛ فهو سبحانه أمر بالعدل في غير موضعٍ، ونَهَى عن ضده -وهو الظلم-، وأخبر أنه يحب المقسطين العادلين كما قال -تعالى-: (‌لَا ‌يَنْهَاكُمُ ‌اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8).

وعلى النقيض أخبر -سبحانه- أنه لا يحب الظالمين ويبغضهم، كما قال -سبحانه وبحمده-: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ ‌سَيِّئَةٌ ‌مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى: 40).

وفي كلٍّ من محبة الله -تعالى- للعدل، وبغضه للظلم مِن الترغيب والترهيب بمكانٍ لأصحاب القلوب الحية التي ترجو الله والدار الآخرة، وفي الحديث القدسي الذي رواه مسلم -رحمه الله- في صحيحه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عن الله -تبارك وتعالى- أنه قال: (يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا).

والعدل من الأخلاق الحسنة التي بُعِث النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ليتممها ويرسي قواعدها وَفْق ما يحبه الله ويرضاه.

قال ابن كثير -رحمه الله-: "عن قتادة: "قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ) الآية، ليس مِن خُلُق حَسَن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به، وليس مِن خلق سيئ كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها. قلتُ: ولهذا جاء في الحديث: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسافها) (رواه الحاكم، وصححه الألباني)" (انتهى من تفسير ابن كثير).

وللحديث بقية -إن شاء الله-.