في رثاء بلال سميح رحمه الله

  • 299

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

ففي يوم الخميس الموافق 24 من شعبان فجعنا في أخ حبيب وشيخ كريم من أهل القرآن، نحسبه كذلك والله حسيبه، وهو الأخ بلال سميح رحمه الله.

عرفته من أكثر من اثنتي عشرة سنة في جامعة الأزهر كلية الهندسة.

ولقد علمته حسن السمت هادئ الطبع، خفيف المجلس، طيب المزاح، حسن الخلق، شديد الوفاء، ولقد كانت له صفات خير كثيرة يعرفها كل من خالطه.

من أوائل هذه الصفات وأظهرها: علاقته الخاصة بالقرآن؛ فقد كان من أكثر سماته النضاحة عليه، تعلقه الشديد بالقرآن، وبهداياته، فلا تكاد تجد له مجلسًا إلا وتجده ذاكرًا للقرآن، مذكرًا به؛ استشهادًا منه، أو تلاوة له، أو تسميعًا على أحدٍ أو لأحدٍ.

وكذلك مطالعته لليوم الآخر ومشاهدته لمخايلها؛ فقد كان كثير الذكر للموت وقرب الأجل، شديد التعلق بالآخرة، وخاصة الجنة، ويحضرني الآن موقفًا له في سكن الطلبة أيام الجامعة، كان معنا شاب في الفرقة الإعدادية يقلب صفحات مجلة تضم صورًا لقصور مدينة من المدن الجديدة حينها، مبهورًا بتلك الصور، فقال للشيخ بلال: "انظر يا شيخ للقصور دي! فنظر ثم قال مباشرة: أكيد قصور الجنة أحسن من دي".

وكذلك اهتمامه بالصلاة وحرصه عليها، فرغم أنه كان صاحب محل بيع أجهزة الحاسب الآلي في مول تجاري كبير؛ إلا أنه لم يكن يسمح أبدًا أن يبقى محله مفتوحًا بعد الأذان؛ فقد كان إذا سمع الأذان قال للمشتري: "نكمل بعد الصلاة إن شاء الله"، ويأخذ معه العاملين معه في المحل، وينزل مهرولًا إلى صلاته، مشتاقًا إلى محرابه، فهو إمام مسجد هذا السوق التجاري.

كان مثالاً صادحًا للرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله -نحسبه كذلك والله حسيبه-.

ثم إذا وقف في محرابه فإنك تسمع القرآن غضًّا طريًّا، يخرج من صدر قد حواه، وقلب قد وعاه، فإنك لا تكاد تشهد صلاة خلفه إلا وتجد دمعات هدارة، وأصواتًا خالطتها نشيج البكاء، مع صوت ندي غاية في الإتقان حفظًا وأداءً؛ فما أن تقف خلفه وتستمع لبعض تلاوته إلا ويأخذك العجب؛ كيف لرجل تاجر كانت سلعته دائرة بينه وبين المشتري من لحظات يكون هذا حاله في صلاته!

كيف استطاع بناء هذا الحاجز بين صلاته وقلبه، وبين تجارته وماله؟!

ما هي إلا علاقة صادقة مع القرآن، وإقبال تام على الله والدار الآخرة.

ومن صفاته أيضًا: أنه كان من أهل الصدقة، بل من السباقين فيها المبادرين إليها، فإذا أصابت أحدًا من إخوانه ضائقة أو نازلة؛ تجده أول المسارعين في تفريج كربة أخيه، والتخفيف عنه، وتجد ذلك أيضًا في اهتمامه بالفقراء والمساكين ورعايته لهم؛ يقول أحد إخوانه: "ما دعوته إلى باب خير أبدًا إلا وبادر إليه بلا كبوة".

ثم في باب البر والصلة؛ فقد كان شديد البر بأبيه وأمه -رزقهم الله احتسابه والصبر عليه- حريصًا عليهم رفيقًا بهم، فقد عزم نيته على أن يتكفل بحجهم وعمرتهم العام القادم -إن شاء الله-.

فقد حدثني والده -حفظه الله- أن الشيخ بلال عازم على العمرة هذا العام، فقالت له أمه: "أريد أن أطلع معك. فقال: إن شاء الله أطلعك أنت وأبي العام القادم إن شاء الله"، ولعله ينال ما نوى -إن شاء الله-.

وكذلك يوم وفاته في صباح يوم الخميس كان قد نزل من القاهرة خصيصًا ليزور والده ووالدته، ثم عاد في نفس اليوم ظهرًا ليلقى أجله على الطريق، وليختم له بعمل صالح وهو بر وصلة.

هذا بعض من أعماله وصفاته -رحمه الله-، وهذا حاله قد عاش على طريق الخير، وها هو قد مات عليه، فكأني به يوصينا جميعًا بذلك أن نحيا على طريق الصلاح والإصلاح ونموت عليه.

نسأل الله -عز وجل- أن يرحم أخانا وشيخنا بلال سميح، وأن يغفر له.

اللهم اغفر للشيخ بلال وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره، ونوِّر له فيه.