القواعد العشر الحسان لاغتنام شهر رمضان (5)

  • 41

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمِن البدع الشائعة في رمضان:

(5) المبالغة في التنقل بين المساجد بحثاً عن جودة الصوت:

لا نماري في أن حسن الصوت مُعِين على الخشوع، ويساعد على التدبر، لكن كيف الحال إذا تحول الأمر إلى قصد حسن الصوت لذاته؟ ويصير الارتباط بين حسن الصوت وبين الخشوع، بحيث إذا تخلَّف حسن الصوت لسبب أو لآخر لم يستطع أن يخشع، ولا أن يتدبر.

قال محمد بن بحر كما في "بدائع الفوائد: "رأيت أبا عبد الله في شهر رمضان، وقد جاء فضل بن زياد القطان، فصلى بأبي عبد الله في التراويح، وكان حسن القراءة، فاجتمع المشايخ وبعض الجيران حتى امتلأ المسجد، فخرج أبو عبد الله فصعد درجة المسجد فنظر إلى الجمع، فقال: ما هذا؟ تدعون مساجدكم وتجيئون إلى غيرها! فصلى بهم ليالي ثم صرفه كراهية لما فيه، يعني من إخلاء المساجد، وعلى جار المسجد أن يصلي في مسجده".

قال ابن القيم في إعلام الموقعين: "الوجه الخمسون: أنه نهى الرجل أن يتخطى المسجد الذي يليه إلى غيره، كما رواه بقية عن المجاشع بن عمرو عن عبيد الله بن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يَلِيه، وَلَا يَتَخَطَّاهُ إلَى غَيْرِهِ)، وما ذاك إلا ذريعة إلى هجر المسجد الذي يليه، وإيحاش صدر الإمام، وإن كان الإمام لا يتم الصلاة أو يُرمَى ببدعة أو يعلن بفجور؛ فلا بأس بتخطيه إلى غيره".

(6) ترديد بعض الأذكار بين صلوات التراويح بطريقة دائمة:

وهذه بدعة منتشرة في كثير من مساجد المسلمين، حيث يواظبون على ترديد أذكار معينة بصورة جماعية أو جهرية، مثل قولهم: "صلاة القيام أثابكم الله" بعد كل ركعتين، أو الترضي عن الصحابة، أو تلاوة المعوذات بعد أول ركعتين، فهذا مع أنه ذكر طيب وتلاوة للقرآن؛ إلا أن تخصيص هذا الموضع يُعد من باب البدع الإضافية، والتي لَبَّس الشيطان بها على كثير من الناس، فضلًا عما يعتريها أحيانًا من الأذكار الباطلة، مثل: "الصلاة والسلام عليك يا أول خلق الله"، أو إحداث ضجيج وضوضاء تنافي الأمر بالخشوع والاطمئنان في المساجد.

(7) التخفيف المُفرط في صلاة التراويح:

التراويح هي قيام الليل جماعة في رمضان، ووقتها من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وقد رغب النبي في أدائها ترغيبًا شديدًا، فقال: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، والسُنة في التراويح أن تُصلى إحدى عشرة ركعة، أو ثلاثة عشرة ركعة، يُسلم بعد كل ركعتين مع تطويل القيام؛ لحديث عائشة: "مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا" (رواه البخاري)، فالأولى أن تُصلي كذلك، إلا أنه ليس هناك ما يمنع شرعًا من الزيادة على هذا العدد؛ لعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما سُئل عن قيام الليل فقال: (مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى) (رواه البخاري).

ومن هنا ذهب بعض الصحابة مثل أُبِي بن كعب إلى زيادة عدد ركعات التراويح إلى 23 ركعة، مع التخفيف في طول الركعات، فصارت زيادة الركعات مع تخفيف القراءة مكافئة لطول القراءة مع تقليل الركعات، ولكن الخلل فيمَن يصلي إحدى عشرة ركعة، لكنه يسرع فيها إسراعًا مفرطًا يؤدي إلى الخروج عن المقصود.