البحث عن القدوة

  • 53

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فالقدوة مطلب أساسي ومهم في حياتنا؛ لا سيما إن كان الشخص في أول عمره مقبلًا على تجارب ومشاكل الحياة، فهنا يبدأ بالبحث عن قدوة يتخذها مثلًا وأسوة تساعده على السير في الطريق المستقيم، وتمده بالتجارب والخبرات التي تساعده على تكوين شخصيته، والوصول إلى النجاح والتقدير والمنزلة الرفيعة.

وغياب القدوة الصالحة أخطر شيء على شبابنا، وهو الأمر الذي يجعلهم مؤهلين ومهيئين في كثيرٍ من الأحيان لاستقبال ثقافات ومعارف مناوئة للمبادئ والقِيَم الأخلاقية، لتفضي بهم في نهاية المطاف إلى الاقتداء بشخصياتٍ قد لا تحمل أيًّا من صفات القدوة الحسنة مما يعود بالسوء والوبال على حياتهم وتصرفاتهم وشخصياتهم، كمَن يقتدي بممثل أو مغني أو شخصية مشهورة؛ ظنًّا منه أن كون هذه الشخصية معروفة أو مشهورة يجعلها تصلح لأن تكون قدوة ونموذجًا يحتذى به.

وغياب القدوة أيضًا مع هذا الانفتاح على مواقع التواصل الاجتماعي وكثرة البرامج والدعوات الهدامة جعل الشباب ينحرفون عن المسار الصحيح؛ إذ تصبح تصرفاتهم وأفعالهم شبيهة بتصرفات مَن اقتدوا بهم، مما يؤدي إلى دخولهم في نفق الحيرة والضياع والتشتت، والانحراف عن المسار الصحيح والابتعاد عن أهدافهم.

أضف إلى ذلك: التقليد الأعمى الذي يجعل مِن المقلِّد نسخة مغيبة للشخص المقلَّد، ليصير إمعة يقول بقول قدوته ويفعل فعلها، دون أن يدرك عواقب ما يقوم به أو يقبل عليه؛ فالقدوة الأحق بالاتباع هي القدوة التي تنتهج الشريعة الربانية طريقًا للعيش والتعامل، وبناءً عليه؛ نرى الصحابة الكرام يتأسون برسولهم الكريم -صلى الله عليه وسلم- ويتبعون منهجه، إذ يخاطبهم الله -عز وجل- بقوله: (لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب: 21).

وبموت النبي -صلى الله علية وسلم- لم تمت القدوة، فشريعته باقية إلى قيام الساعة، فسار على نهجه الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان، فخرَّجوا علماء ومصلحين، وأصحاب ريادة للعالم كله.

إن المعلم له تأثير مباشر على الشباب في صنع القدوة، إن أحسن إلى طلّابه فُواكب كلّ جديدٍ في التّعليم، وسعى إلى التّقدم، وساهم في رفع مستوى كفاءة طلابه، ووقف على تحقيق مصالحهم، وساعد على تفوقهم ونجاحهم.

ودور الأب ليس بالأمر الهين؛ فهو القدوة المباشرة بالنسبة لأولاده، فالولد لا يقلد أحدًا مثل ما يقلد والده، بل إنه في البداية لا يختلط بأحد أكثر مما يختلط بوالديه، فهما أساس قدوته، وخير مثال للتقليد عنده.

فلهذا يجب على الأب أن يدرك هذا الأمر، وأن يستشعر هذا الجانب، وأن يعلم علم اليقين أن أبناءه سيكونون في النهاية نسخة طبق الأصل منه؛ فعليه أن يحاسب نفسه، وليختر التربية التي يريدها لهم، والواقع الذي يريد أن يكونوا عليه عندما يكبرون.

فإما أن تغرس فيهم محاسن الصفات ومكارم الأخلاق فتنبتهم نباتًا حسنًا، وإما أن تغرس فيهم الشر والفساد، والغي والضلال؛ فتنبتهم نباتًا سيئًا! واستشعر قبل هذا كله قول الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6).