الزلازل الشديدة والبراكين دعوة إلى التوبة والاستغفار (1)

  • 113

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فتعد الزلازل الكبيرة على قِلَّتها وكونها لا تستمر إلا لثواني قليلة؛ إلا أنها مِن أشد الكوارث تدميرًا، ومعلوم: أن القشرة الأرضية تتكون من طبقات صخرية تمتد لعمق كبير تحت الأرض، وهذه الصفائح الصخرية تتحرك تحت الضغط من وقت لآخر، وقد تتمزق فجأة كتل منها (أو ألواح) على طول خط الضعف فيها، وهو ما يعرف بـ(الفالق)، وأغلب الزلازل تحدث نتيجة لحركة الأرض في مكان الصدوع المختلفة، والتي تكون في العادة على حدود (حواف) الصفائح التكتونية، فالزلزال يتركز على أطراف الصفائح، فتتسبب الكتل الصخرية المنزلقة على خط الفالق في هز الأرض فوقها، وغالبًا ما تؤدي هذه الهزات إلى حدوث كسور عظيمة فوق سطح الأرض.

ومعظم الفوالق تمتد في أعماق بعيدة تحت سطح الأرض، وبعضها يكون قرب السطح، ويتم رصد الفالق بشكل واضح من خلال الصور التي ترسلها الأقمار الصناعية، ويبلغ طول الفالق الواحد نحو 1300 كيلو متر، لكن لا تتحرك منه سوى أجزاء قليلة، وتنبعث من الهزة الأرضية موجات (الموجات السيزيمية أو الموجات الزلزلية)، وهي ذبذبات تستمر للحظات قصيرة، فتسبب هذه الذبذبات هزات أرضية ينتج عنها كسور تظهر على سطح الأرض، محدثة تغيرات في مستوى وميل سطح الأرض، وتتسبب في انهيار التربة والصخور، وتؤدي إلى تدمير خطوط المياه، والكهرباء، والغاز، محدثة حرائق مروعة، وتحدث تلوثًا في مصادر المياه، وتتسبب في ظهور الأمراض.

كما تؤثر الزلازل على الكتل الجليدية الضخمة، وتتسبب في تحول أنهار وجداول، بينما تتسبب الزلازل التي تحدث تحت المحيطات والبحار في حدوث موجات بحرية ضخمة (الموجات البحرية السيزيمية)، والتي يطلق عليها باليابانية: (تسونامي)؛ التي يمكنها أن تعبر المحيطات لمئات الكيلومترات محدثة الدمار الشديد عندما تضرب الأرض؛ خاصة المأهولة حيث إن موجات التسونامي تبدأ بارتفاع يصل إلى متر واحد في المحيط المفتوح، وتكون المسافة بين قمة الموجة وقمة الموجة التي تليها نحو 150 كيلو متر، وتنتقل هذه الموجات عبر مسافات شاسعة بسرعات عالية جدًّا يزداد معها ارتفاع هذه الموجات، وعندما تقترب هذه الموجات من الشواطئ قد يصل ارتفاعها إلى 30 مترًا، وتسبب تدميرًا هائلًا في المباني والمنشآت والممتلكات، وفقد في الأرواح.

والزلازل يمكن أن تقع على عمق كبير جدًّا تحت الأرض قد يصل إلى ما يزيد على 600 كيلو متر؛ إلا إن أكثر الزلازل يحدث عند عمق حوالي 60 كيلو متر تحت سطح الأرض، ومعظم الأضرار التي تحدث للإنسان تنجم عن هذه الزلازل القريبة من سطح الأرض؛ لأنها أكثر الزلازل تكرارًا، أما الزلازل بين هذين العمقين (60 كم و600 كم) فتعتبر زلازل متوسطة من حيث تكرارها، والأضرار الناجمة عنها.

وتسمى النقطة التي يبدأ من عندها الزلال (بؤرة الزلزال)، أما النقطة التي يقع فوقها تمامًا سطح الأرض فتسمى: (المركز السطحي للزلزال)، وتنتقل الطاقة المنبعثة من الزلزال من البؤرة في جميع الاتجاهات على هيئة موجات سيزيمية (أو زلزالية)، موجات منها تتجه إلى أسفل وموجات أخرى تتجه إلى أعلى أي تجاه سطح الأرض، وتنتقل الموجات المتجهة إلى سطح الأرض بصورة أسرع من الموجات المتجهة لداخل الأرض، ويتم تسجيل تلك الموجات الصادرة عن الزلازل الكبيرة على أجهزة رصد الزلازل في المنطقة القريبة للزلزال.

ومعظم الزلازل تحدث في نطاق حزامين كبيرين: أحدهما: حزام ضيق يطوق المحيط الباسيفيكي على طول شواطئ الأمريكيتين الشمالية والجنوبية، ويمر بجزر آسيا حتى نيوزيلندا، والآخر يبدأ من بورما إلى جنوب أوروبا، مرورًا بجبال الهيملايا والقوقاز والألب، وأكثر الهزات المدمرة -حوالي 80 % منها- تحدث في المحيط الباسيفيكي، وبالرغم من حدوث معظم الهزات الأرضية في نطاق الحزامين المذكورين؛ إلا إنه لا يوجد جزءٌ من العالم آمنًا تمامًا من أخطار الزلازل.

وتقع اليابان مباشرة في نطاق النشاط الزلزالي العظيم حيث تشهد حوالي ست هزات متوسطة كل عام، ومن هزتين إلى ثلاث هزات صغيرة كل يوم، وقد شهدت العاصمة اليابانية طوكيو أحد أعظم الهزات الأرضية المدمرة عام 1932، والتي لقي فيها ما يزيد عن مائة ألف شخص مصرعهم خلالها، وتهدم 700 ألف منزل من جراء الهزة والحرائق التي نجمت عنها، وأحيانًا يحدِث الزلزال العنيف شقًّا في الأرض كما في زلزال مدينة (كواتا) في باكستان في عام 1935 الذي دمر المدينة بأكملها، وظهرت شروخ غائرة في الشوارع ابتلعت الناس والحيوانات، بينما أحدث الزلزال المدمر في مدينة (سان فرانسسكو) في عام 1906 شرخًا كبيرًا زاد عن ستة أمتار.

قياس قوة الزلزال:

يتم تسجيل وقياس قوة الزلازل عن طريق جهاز يسمَّى: (السيزموجراف)، حيث كانت ترسم إبرة التسجيل الدقيقة في السيزموجرافات السابقة رسمًا يسجل على لفافة من الورق المدخن الملفوف على أسطوانة، بينما تستخدم الأجهزة الحالية الحزم الضوئية وتسجِّل بياناتها على ورق التصوير.

أما شدة الزلزال، فتقدر بقدر ما يشعر به الإنسان منه وما يحدثه من أضرار، فهناك هزات خفيفة لا يشعر بها أحدٌ على الإطلاق، ومنها ما يشعر به الناس داخل البيوت مع تأرجح الأشياء بها، وقد تتجلجل الأشياء فتوقظ النائمين فيشعر بها كل الناس داخل وخارج البيت، وقد يتكسر معها الزجاج والأشياء المصنوعة من الصيني، وقد تكون أشد فيشعر بها المسافرون بالسيارات، وتتداعى بعض المنازل، وتحدث أضرار عامة، وقد تصل شدة الزلزال إلى حدٍّ يصيب الناس بالذعر، وتظهر حفر بالأرض وتدمر مباني ويلحق الدمار بالمواسير والأنابيب المدفونة تحت الأرض. وقد يكون الزلزال من القوة بحيث يتسبب في الدمار الكامل، وابتلاع مدن بأكملها؛ فلا يبقى منها على وجه الأرض شيءٌ.

ويحدد حجم الزلزال بقيمته بمقياس (ريختر)؛ نسبة إلى العالم السيزيمي الأمريكي تشارلز ريختر، الذي صمم المقياس في فترة الثلاثينيات من القرن العشرين، وقيمة القياس هي بالفعل قياس لحجم (سعة) الموجات المنبعثة من الزلزال.

ويمكن تحديد القيم من سعة الموجات سواء الموجات الداخلية أو الموجات السطحية، ومقياس القيمة مقياس لوغاريتمي، أي: يزداد بالعشر مرات ومضاعفاتها، فكل درجة من المقياس تمثل زيادة عشرة أجزاء في سعة الموجات المنبعثة، فالموجات الصادرة -مثلًا- من زلزال قيمته 7 ريختر هي أكبر عشر مرات من زلزال قيمته 6 ريختر، وهي أكبر مائة مرة (أي: عشرة في عشرة) من هزة قيمتها 5 ريختر، وهكذا.

ويمكن اعتبار القيمة بمقياس ريختر أيضًا مقياسًا للطاقة المنبعثة من الزلزال؛ لأن الطاقة المنبعثة تتناسب مع حجم (سعة) الموجة، فهناك علاقة بين الطاقة المنبعثة وبين كل قسم على مقياس القيمة، يمثِّل فرقًا تقريبًا مقداره 30 جزءًا من الطاقة، فهزة قيمتها 7 ريختر -مثلًا- تصدر فرقًا مقداره 30 مرة طاقة أكثر من هزة قيمتها 6 ريختر، وحوالي 30 في 30 أي يساوي 900 مرة طاقة أكثر من هزة قيمتها 5 ريختر، وهذا يفسر السبب في أن معظم الطاقة الصادرة من الزلازل تنجم من الهزات الكبيرة. والهزات الكبيرة قليلة جدًّا في العام الواحد بالمقارنة بملايين الهزات الأرضية الصغيرة.

وتصنف الهزات طبقا لقيمتها بمقياس ريختر إلى:

- هزات شديدة: أكبر من 5و7 ريختر.

- هزات رئيسية: ما بين 5و6 - 7 ريختر.

- هزات واسعة: بين 5و5 - 5و6 ريختر.

- هزات معتدلة: بين 5و4 - 5و5 ريختر.

- هزات صغيرة: أقل من 5و4 ريختر.

(للاستزادة، راجع: "أسرار الأرض" ترجمة هاشم أحمد محمد - مكتبة الأسرة 1999م - الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص 23 - 33).

هل يمكن تقليل أخطار الزلازل؟

يمكن التخفيف من أخطار وأضرار الزلازل بعدة وسائل، منها:

- تجنب ما يسبب ضغطًا متزايدًا على سطح الأرض؛ خاصة في أطراف الحزام الزلزالي: كالسدود الضخمة، وما يكون خلفها من البحيرات الصناعية الكبيرة، وكذلك السحب القوي الضخم من الآبار البترولية بصورة فجة، فهي عوامل قد تسبب حدوث زلازل وإن كانت أقل كثيرًا من الزلازل الأخرى.

- تصميم إنشاءات وأبنية وبنية تحتية بمواصفات تتحمل شدة وقوة أكبر من الزلازل المتوقعة في منطقة البناء، وهو ما يسمى بالكود الهندسي للزلازل، أي: طريقة البناء بما يتناسب مع طبيعة التربة، لإقامة منشأة تتحمل الهزات والعوامل الطبيعية بحيث يكون لها قوة تحمل تفوق قوة الزلزال المحتمل، ويختلف الكود الهندسي المطلوب من مدينة إلى أخرى كما يختلف الكود الزلزالي من دولة لأخرى.

- أن يوضع في الاعتبار خرائط فوالق وأحزمة الزلازل عند اختيار مواقع بناء المدن الجديدة.

- بالنسبة للمباني القديمة، والمباني غير المرخصة، ينبغي مراجعة رسوماتها الإنشائية إن وجدت، وعمل اختبارات لمكونات الأعمدة الخراسانية والكمرات والأسقف، وفي حالة تبيُّن عدم مطابقتها لكود وأحمال الزلزال، يمكن عمل تدعيم لتلك المباني.

- عمل فواصل من ركائز مطاطية توضع بين سطح الأرض والمباني، والتي من شأنها فصل وعزل المنشأة عن مصدر الزلزال، أي: الأرض، مما يخفف كثيرًا من تأثير الزلازل على المباني، كما تصبح قوة الزلزال متساوية تقريبًا على كلِّ أدوار المباني.

وقد وجد في تركيا عقب الزلزال الأخير: أن سبب انهيار عدد كبير من المنشآت يرجع إلى عدم التزام المقاولين هناك بالكود الزلزالي، وعدا ذلك فلم يحدث انهيار للأبراج التي تم تصميمها طبقًا للكود الزلزالي لمقاومة الزلازل.

وفي مصر في منتصف التسعينيات تم تحديد الكود المصري للمباني بمعايير تصميمية إنشائية تتضمن كيفية حساب المباني وكيفية مراجعة الرسومات الإنشائية لأي مبنى عن طريق المجمعة المصرية، وهي جهة حكومية تضم نخبة من الاستشاريين في الهندسة الإنشائية يلزم المرور عليها قبل صدور الموافقة على رخصة البناء؛ سواء من الإدارات المحلية بالمحافظات أو من أجهزة المدن الجديدة، لتأمين المسئولية المدنية عن أخطار أعمال البناء والتشييد، ولكن الإشكالية الكبرى تتعلَّق بالمباني القديمة التي تحتاج إلى مراجعة رسوماتها الإنشائية، وتتطلب عمل اختبارات للأعمدة الخرسانية والأسقف؛ لذا يحتاج الأمر إلى إصدار تشريع قانوني يلزم الملاك واتحاد الشاغلين للمباني المشيدة قبل إصدار كود الزلازل في منتصف التسعينيات بعمل الاختبارات اللازمة لمعرفة مدى تحمل هذه المباني للزلازل، وإخطار الإدارات المحلية بنتائج الاختبارات، وتحميل سكان هذه المباني مسئولية تدعيم مبانيهم حال الاحتياج لذلك؛ حفاظًا على أرواحهم.

خطورة البراكين:

ليست البراكين بأقل خطورة عن الزلازل، فكما تسبب الزلازل الشديدة الناتجة من تحركات الصخور في بطن الأرض تهديدًا خطيرًا للحياة البشرية، فكذلك البراكين النشطة الناتجة من تدفق واندفاع الصخور المنصهرة القادمة باندفاع من باطن الأرض، لا تقل عنها خطورة وتهديدًا.

والبركان في أبسط صورة هو: مخروط ذو قاعدة عريضة، وقمة ضيقة بها فتحة متسعة يخرج منها منصهر الصخور المتدفق، وتسمَّى: الحمم (اللافا)، باندفاع كبير تصحبها الغازات الحارة القادمة من أعماق بين ثلاثين إلى ستين كيلومتر تحت سطح الأرض، وتتدفق هذه الحمم من البراكين بسرعة يمكن أن تصل إلى نحو 80 كيلو متر في الساعة، ويمكن أن تقذف هذه الحمم في الهواء بارتفاع قد يصل إلى ثلاثين كيلو متر مع انفجار مدوي يسمع دويه على بعد آلاف الكيلو مترات، وقد تصطبغ صفحة السماء فوق منطقة البركان باللون الأسود، وتتساقط معها أمطار محملة بالرماد فوق مساحات شاسعة.

ورغم أن مثل هذه الانفجارات البركانية المدمِّرة تعتبر من الحوادث نادرة التكرر؛ إلا أن هناك مناطق فوق سطح الأرض تحدث فيها أنشطة بركانية كثيرة، وتقذف البراكين النشطة كميات هائلة من الحمم البازلتية السائلة، والتي قد تكون -بعد خمود البركان- جبالًا ذات انحدارات خفيفة.

وتتوقف دورة انفجار البركان على الزمن الذي يستغرقه تكون الحرارة الكافية لتوليد المجما، أي: الصخور السائلة والغازات، أسفل القشرة الأرضية، وتسمَّى البراكين التي لم تبدِ نشاطًا لسنوتٍ: بالبراكين الخامدة، بينما تسمى البراكين التي يعتقد أنها أصبحت ميتة بالبراكين المنقرضة.

وهناك نحو حوالي 500 بركانًا نشطًا على مستوى العالم، يوجد ما يزيد عن ثلاثة أرباع البراكين النشطة حول حدود المحيط الباسيفيكي، في المناطق التي بها ضعف أو كسور بالقشرة الأرضية، والتي تعرف باسم: (حلقة النار)، وهناك حزام بركاني آخر يعبر البحر المتوسط متجها إلى غرب آسيا، وهناك سلسلة قصيرة في وسط المحيط الأطلنطي، بينما لا توجد أي براكين نشطة في جبال الهيمالايا وجبال الألب (راجع المصدر السابق، ص 9 - 15).

ورغم ندرة البراكين العنيفة؛ فقد احتفظ التاريخ بنماذج شهيرة منها، فمن ذلك:

- في 24 أغسطس عام 79م أفنى بركان جبل (فيزوف) مدينة (بومبي)، وهي إحدى المدن الرومانية الرائجة المزدهرة، والتي كانت تعيش قمة رخائها الاقتصادي، لكن سرعان ما دفنت بسكانها تحت طبقة كثيفة من الرماد البركاني والغبار، لتصبح أثرًا بعد عين لمئات السنين، ثم يعاد اكتشافها عام 1748م، ثم تبذل الجهود منذ ذلك التاريخ في التنقيب عن آثارها القديمة الباقية كاملة لتكشف لنا ما كان عليه أهلها من المعاصي والفجور.

ومنذ ذلك اليوم الرهيب، شهد بركان فيزوف انفجارات عديدة صغيرة، وعشرة انفجارات نشطة كان آخرها في عام 1944م، ولا يستطيع علماء العصر الحديث رغم كل ما وصلوا إليه من التقدم العلمي التكهن بموعد حدوث انفجار البركان، أو المدة التي يمكن أن يقضيها البركان حتى يتوقف نشاطه تمامًا.

- في 27 أغسطس 1883م، وقع بمضيق ساندرا الواقع بين جزر سومطرة وجاوة انفجار بجبل (كراكاتوا) أدَّى لقذف كمٍّ ضخمٍ من الصخور المنصهرة والغبار البركاني، لارتفاع بلغ ثلاثين كم، فاصطبغت صفحة السماء فوق الجبل باللون الأسود، ثم بعدها تساقطت أمطار غزيرة محملة بالرماد على مساحات شاسعة، وقتل ما يربو على 36 ألف شخص، وقد سمع دوي الانفجار في أستراليا على بعد خمسة آلاف كم.

وفي يوم الثامن من مايو عام 1902م فتح شرخ في أحد جوانب جبل (بلبيي) في جزيرة (مارتنيك) الواقعة في البحر الكاريبي، وعلى أثره حدث انفجار عنيف صحبته زمجرة مروعة، وفي أقل من دقيقة كانت مدينة سانت بطرس التي تقع بالقرب من سفح الجبل كومة هائلة من دخان الحجارة المتكسرة، ولم ينجُ كما ذكرتْ التقارير من بين ثلاثين ألفًا من سكانها إلا شخص واحد؛ لأنه ظل حبيسًا في قاع بئر.

ومن عجيب أمر البراكين: أن أنواعًا بعد أن قذفت بكميات هائلة من الحمم البازلتية كوَّنت جبالًا وجزرًا جديدة في المحيطات، أو على اليابسة، فمن ذلك:

- جبل (موانالوا) في جزر هاواي، والذي وصل ارتفاعه إلى 9 آلاف مترًا، وهو من أكبر الجبال فوق الأرض، ولكنه يقع بأكمله أسفل المحيط.

- ومن التكوينات النادرة الرائعة المنظر: ما كوَّنه البركان الذي انفجر في عام 1943 في جبل (باريكتين)، الذي يبعد عن غرب مدينة مكسيكوستي بنحو 320 كم، حيث بدأ البركان بتيار بخار متصاعد انبعث من تل صغير، أعقبه خلال ليلة واحدة انفجارات مدمدمة قذفت وابلًا من الصخور، مكونة بركانًا مخروطيًّا بلغ ارتفاعه 15 مترًا. وبعد أسبوعين بلغ ارتفاع فوهة البركان 135 مترًا، وهو لا يزال يقذف بالكتل الحمراء الملتهبة من الصخور بارتفاع مئات الأمتار، ولم يتوقف نشاط البركان إلا في عام 1952م بعد أن بلغ ارتفاعه وقتها 425 مترًا، وقد انتشرت حممه إلى مسافة 10 كم بعيدًا عن مركز الجبل.

- ومنها جزيرة بركانية سميت جزيرة (شرتاسي) نتجت من أحد البراكين، ففي 14 نوفمبر 1963م، بدأ البحر في منطقة على مقربة من الشاطئ في أيسلندا في الغليان، ثم صعدت سحابة كبيرة من البخار، ليبرز -وببطء- مخروط مكونًا جزيرة بركانية على السطح خلال أسبوعين، ومع استمرار الحمم، وصل ارتفاع تلك الجزيرة إلى 150م وبطول 2 كيلومتر، وبعد هدوء البركان نَمَت فوق الجزيرة أنواع من الزهور الجميلة!

وعامة فمن البراكين ما ينفجر من وقتٍ لآخر على نحو معتدل؛ بسبب ما يتولد من المجما (الصخور السائلة والغازات) أسفل القشرة الأرضية فيها، ومنها ما هو خامد لم يبدِ نشاطًا لسنوات طويلة، ومنها ما يعتقد أنها صارت براكين ميتة.

ويعد جبل (أكونكاجوا) في الأرجنتين أعلى الجبال البركانية غير النشطة في القارة الأمريكية، ويبلغ ارتفاعه 7033 مترًا.

دور الزلازل والبراكين في بقاء الكرة الأرضية:

معلوم أن كوكب الأرض كوكب كروي (أو شبه كروي)؛ لذا فللأرض مركز وسطح، وهي بحجمها الكبير تتكون من طبقات متتالية تمتد من سطح الأرض إلى مركزها، فالطبقة السطحية تمثِّل قشرة الأرض ويتراوح سمكها بين خمسة كيلو مترات في مناطق قيعان المحيطات وإلى 40 كم في المناطق اليابسة من الكرة الأرضية، تليها طبقة الدرع، والتي يقدر سمكها بنحو 2900 كم، تليها طبقة اللب الخارجي، والتي يصل سمكها إلى 2260 كم، بينما تصل طبقة اللب الداخلي إلى 2220 كم.

وتزداد درجة الحرارة كلما تعمقنا في باطن الأرض لتصل إلى درجات حرارة عالية للغاية تنصهر معها الصخور الموجودة في باطن الأرض؛ ولهذا فباطن الأرض عند -وقرب- مركزها في حالة انصهار وفوران دائم، وهذا الصهر مكون من أكاسيد السيليكا والألومينا، ويقارب في تكوينه صخور الجرانيت، وقد تمكَّن العلماء من التوصل إلى هذه المعلومات من خلال البحوث العلمية والاستنتاجات في هذا الشأن.

وفي الزلازل: ونتيجة ضغط الأرض الداخلي ونتيجة التغيرات في الجبال أو وجود المنشآت الضخمة على سطح الأرض، فإن كتل ضخمة تحت الأرض قد تتكسر وتتحرك ثم تستعيد توازنها من خلال الزلازل، التي هي حركات (تذبذبات) على القشرة الأرضية تستقر وتتزن بعدها الصخور تحت الأرض على وضعها الجديد لحين حدوث أي تقلبات مؤثرة في التوازن من جديد؛ فالزلازل لها دور في إعادة التوازن في قشرة الأرض، بينما في البراكين تتسبب زيادة الضغط الشديد في بعض أعماق الكرة الأرضية، ومحاولة تخفيف ذلك الضغط إلى خروج المواد المنصهرة والغازات الناجمة عنها من أعماق الأرض السحيقة إلى خارج سطح الأرض من خلال الاندفاع عبر ثغرة، أو نقطة من النقاط الضعيفة في القشرة الأرضية التي يستمر تدفق الحمم والغازات البركانية منها حتى يتعادل الضغط داخل باطن الأرض وخارجها في تلك النقطة البركانية فتسكن.

بينما يسيل وينحدر الصهير البركاني بحرارته العالية جدًّا، ويبعد من شدة تدفقه إلى عدة كيلو مترات عن فتحة البركان، ثم يبرد تدريجيًّا تاركًا جزرًا وجبالًا جديدة في المحيطات والبحار تحت أو فوق المياه، بينما يأخذ الرماد البركاني الناتج من الغازات المتدفقة من البركان، وما يصاحبه من أبخرة حمضية مسارات تحددها التيارات الهوائية في طبقات الجو العليا فوق سطح الأرض؛ لتتسبب في سقوط الأمطار في أماكن بعيدة عن مصدر البركان ربما لآلاف الكيلو مترات.

فالزلازل إذًا تعيد بعض توازن القشرة الأرضية؛ خاصة في الأماكن الجبلية التي تحتاج إلى ذلك من وقت إلى آخر، بينما تخفف البراكين من الضغط المتزايد في بعض أعماق الأرض، وإلا انفجرت الأرض من داخلها في يومٍ ما مِن تزايد الضغط الداخلي فيها بلا أي تنفيث أو تخفيف؛ لذا فقشرة الأرض ليست كقشرة البرتقالة المغلقة على نفسها تمامًا، وإنما هي صفائح صخرية متداخلة تتفاعل مع بعضها البعض في أعماق الأرض لتنفث عن ضغطها المتزايد، أما ما ينتج عن البراكين من جبال وجزر جديدة؛ فهي -بعد خمودها- تسهم بقدر ما في حفظ توازن سطح الأرض كسائر الجبال الأخرى، ويمكن أن تكون أيضًا مصدرًا للمعادن وللصخور القادمة من بطن الأرض.

أيسلندا أرض النار والثلج:

مِن أشهر الأماكن المتعلقة بالبراكين: أيسلندا. وأيسلندا جزيرة (أو مجموعة جزر) بركانية تقع في الشمال من الجزيرة الإنجليزية، ويقطنها نحو 300 ألف نسمة، ومساحتها نحو103 ألف كيلو متر مربع، وعاصمتها: مدينة (ديكيافيك) التي يصل عدد سكانها إلى 90 ألف نسمة، وتتميز أيسلندا بأنها أرض البراكين؛ إذ يوجد بها أكثر من 100 بركان رغم مساحتها الصغيرة، كما أن بها أيضًا مناطق تغمرها الثلوج؛ لذا تسمَّى: (أرض النار والثلوج)؛ ولأن أيسلندا غير مستقرة جيولوجيا فإنها تتعرض إلى الكثير من الزلازل التي تسبق عادة حدوث الانفجارات البركانية؛ لذا فتاريخ أيسلندا مع البراكين والزلازل تاريخ طويل، حيث تشير الدراسات أن ثلث الطفوح البركانية في الخمسمائة سنة الأخيرة كانت في أيسلندا وحدها.

ومنها بركان عام 1963م الذي انفجر بالقرب من جزر (وستمان)؛ فقذف صهيرًا بركانيًّا، وبخارًا ورمادًا غَطَّى مساحة كبيرة من الأرض، وعندما جف الصهير كان قد كون جزيرة بركانية جديدة سميت باسم: (سميت سورتزي)، وبالتبعية فإن أرض أيسلندا تتميز بوجود عدد كبير من العيون الساخنة الصاعدة من باطن الأرض، والتي يتم جمع مياهها ونقلها في خطوط أنابيب إلى المنازل وحمامات السباحة، كما تستخدم أيضًا في تدفئة الصوب الزراعية، مما مكَّن سكان أيسلندا من زراعة الطماطم والخضروات، والموز والخيار، والخس، وبعض أنواع الزهور.

كما تستخدم تلك المياه الساخنة المتدفقة من العيون الساخنة في إنتاج كهرباء للمنازل، ولصناعات تجهيز وتعليب الأسماك؛ حيث إن اقتصاد أيسلندا يقوم بشكل كبير على صيد السمك وتصديره؛ إذ تصدِّر 70% من إنتاجها من السمك، والذي يبلغ سنويًّا حوالي مليون طن.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.