من يحمي أخطبوط الفساد الذي تسبب في إهدار 1.5 مليار دولار؟!

  • 180
ارشيفية

من يحمي أخطبوط الفساد الذي تسبب في إهدار 1.5 مليار دولار؟!
بالمستندات: أباطرة المال العام بددوا أحلام 7 آلاف أسرة في مشروع التوطين المقام على بحيرة ناصر
المزارعون: عشنا سنواتٍ صعبة فقدنا فيها كل مقومات الحياة.. والمسئولون يمارسون ضغوطا للتنازل عن مستحقاتنا!
هشام جنينة: المافيا استولت على أراضي بقيمة100.493 مليار جنيه ولم يحاسبهم أحد؟!
104 واقعة فساد في شهر واحد فقط.. التموين والمحليات والزراعة على رأس القائمة



استمرارًا لكشف أباطرة الفساد، تواصل "الفتح" نشر أخطر ملفات الفساد التي تسبب فيها نظام بأكمله ظل يتلاعب بأحلام البسطاء منذ توقيع اتفاقيات التوطين مع الأمم المتحدة، قبل أن تهبط عليهم مظلة البراءة للجميع.


في هذا العدد سنقدم نموذجًا لإهدار المال العام في مشروع التوطين على بحيرة السد العالي الذي استنزف ميزانية الدولة لأكثر من 25 عامًا دون عائد يذكر.


البداية اتفاقية "العون الغذائي" التي أبرمت بين مصر والأمم المتحدة، التي استهدفت تنمية الأراضي والتوطين بمنطقة بحيرة السد العالي لإنماء وتطوير إقليم النوبة بصعيد مصر، والتي كان من المقرر منح مصر خلالها مليارًا و439 مليونًا و701 ألف و625 دولارًا، وهي قيمة معونتين مقدمتين من برنامج الأغذية العالمي لتنمية الأراضي والتوطين بمنطقة السد العالي، وقع للجانب المصري المهندس حسب الله الكفراوي وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية في ذلك الوقت ومن الأمم المتحدة لي شيانو كابليتي.


نظام بأكمله هبطت عليه مظلة البراءة وكأن شيئًا لم يكن، لكن هذه المرة سنقدم بالمستندات وبأرقام البلاغات التي خرجت من مكتب النائب العام لتدين كلًا من: رأس النظام " حسني مبارك"، والدكتور أحمد نظيف رئيس وزرائه الأسبق، والدكتور يوسف والي وزير الزراعة ونائب رئيس الوزراء الأسبق، والدكتور أمين أباظة وزير الزراعة الأسبق، واللواء مصطفى السيد محافظ أسوان، وبعض الجهات السيادية الأخرى في الدولة.


لكن المسئولين السابق ذكرهم استخدموا حيلهم الجهنمية للتلاعب بالاستيلاء على أراضي الدولة للتربح من قيمة المعونة الأجنبية، وذلك وفقًا لما تكشفه الدعوى القضائية التي تحمل رقم 346، الخاصة باتهام المذكورين بالتربح من الاتفاقيتين الأولى والثانية الموقعتين مع الأمم المتحدة ومنظمة الفاو والمسماة بـ"التوطين".


البداية كانت في 31 مايو 1988، وصدر بها القرار الجمهوري رقم 476 لسنة 1988، بشأن الموافقة على خطة العمليات المتفقة عليها بين الحكومة المصرية، وبرنامج الأغذية العالمي فاو، بمبلغ 47 مليونًا و696 ألفًا و331 دولارًا.


ثم جاءت الاتفاقية الثانية لتوقع في 25 مارس 2003، وصدر بها القرار الجمهوري رقم 283 لسنة 2003 بالموافقة على عقد عمليات العون الغذائي لتنمية الأراضي والتوطين بمنطقة بحيرة السد العالي بين الحكومة المصرية ومنظمة الفاو بمبلغ مليار و390 مليونًا و5 آلاف و294 دولارًا.


كان الوازع من هاتين الاتفاقيتين هو القضاء على الفقر في صعيد مصر وإعادة توطين العائلات الفقيرة من فلاحي الوجه البحري وإعادة دمجهم مع أبناء النوبة من صعيد مصر على ضفاف بحيرة السد العالي، وفقًا لنص الاتفاقية المبرمة آنفًا بين الحكومة والأمم المتحدة.


وذلك للحد من الفقر وإيجاد فرص عمل للشباب وزيادة الرقعة الزراعية من 6 ملايين فدان إلى 7.5 مليون فدان، وإعادة دمج ونقل وتوطين الأسر من المناطق المزدحمة في الدلتا إلى الأراضي الجديدة بهدف خلق مجتمعات زراعية جديدة.


خُصص في بادئ الأمر أكثر من 15 ألف فدان، تم توزيعها على 3100 أسرة في 9 مستوطنات بقرى كلابشة، أبيسكو، سارة، غرب أبي سمبل، جرف حسين، السيالة، قسطل، توماس، مع تهيئة الأجواء الصحراوية القاسية لمعيشة تتلاءم مع البيئة الجديدة، تزداد تدريجيًا لـ 30 ألف فدان حال استقدام المزارعين بعائلاتهم، وفي عام 2008 تم توطين ما يقرب من 4850 أسرة على مساحة 3500 فدان.


وكان من المقرر أيضا أن تمهد الحكومة المعيشة بإنشاء طرق ومستشفيات ومدارس وجمعيات زراعية وتعيين مشرفين لتقديم النصح والمشورة الزراعية، وتسليمهم مساكن ومعونات شهرية طبقًا لنصوص الاتفاقيات والمستندات التي حصلنا عليها، لكن وفقًا لتصريحات المستوطنين أنفسهم فإن كل هذه الأمور ذهبت أدراج الرياح؛ ما أدى إلى ترك الفلاحين للتجارب فهلكت زراعاتهم من طوفان البحيرة، ومرض أطفالهم وتسربوا من التعليم واحدًا تلو الآخر فلم يجدوا مدارس تعلمهم ولا منازل تؤويهم، فباعوا كل ممتلكاتهم حتى ينقذوا أراضيهم من الغرق والهلاك.


تؤكد المستندات التي حصلنا عليها، أن مشروع التوطين يكتنفه الكثير من الغموض فقد شهد عصر الوزير أحمد الليثي وزير الزراعة الأسبق، إسناد مشاريع خاصة وبالأمر المباشر لإحدى الشركات لعمل الإنارة وبناء المساكن؛ ما تسبب في عد الحيادية وضياع أكثر من 5 ملايين جنيه أثناء توليه مسئولية وزارة الزراعة، هذا بخلاف إنشاء الترع المكشوفة فوق سطح الأرض التي تسببت في وجود فاقد رهيب في منسوب المياه نظرًا لارتفاع درجات الحرارة في تلك المنطقة التي تتجاوز الـ50 درجة في الصيف.


فريسة سهلة


يؤكدمحمد خميس يونس، من البحيرة مركز إيتاي البارود، وأحد المستوطين في المشروع، أنه جاء من محافظة البحيرة وباع كل ما يملك لزراعة 10 أفدنة وفقًا لتوزيع المشروع.


وأضاف يونس، الدولة تركتنا فريسة سهلة للعوامل الجوية القاسية، ناهيك عن الظروف الصحية التي نعيش فيها فلا مستشفيات ولا وحدات صحية ولا مدارس، عشنا بالفعل حياة صعبة للغاية فقد شاهدنا الزواحف كالعقارب والثعابين السامة مثل "الكوبرا والطريشة" تقتل الكثير من بيننا ولا نجد من ينقذنا من الموت البطيء، هذا بخلاف التماسيح التي تخرج من البحيرة وتصطاد المواشي والمزارعين، حتى الأطفال والنساء لم يسلموا من هذه المخاطر.


هذا بالإضافة إلى ارتفاع الفيضانات والزراعات حتى كان يأتي الفيضان فيُغرق المنازل والزراعات وماكينات الري حتى الحيوانات لم تنجُ من ذلك.


الحيوانات المفترسة


بدوره، قال عبد الله محمد حسين عامر، مواطن من أسوان، إننا قاومنا كثيرًا الطبيعة والظروف القاسية حتى وصلنا إلى نتائج مقبولة في الزراعات دون مساعدة من الدولة التي أعطتنا في البداية بعض المساعدات، لكنها ما لبثت أن انقطعت عن صرفها ولا نعلم أين تذهب، ثم تقدمنا بالكثير من الشكاوى للمسئولين، لكن صوتنا لا يصل أو ربما لا تعجبهم مطالبنا فقاموا بسد آذانهم.


ويتذكرعامر، في يوم واحد منذ عدة سنوات فقدنا 10 أطفال دفعة واحدة ما بين لدغات عقارب وثعابين واعتداء التماسيح عليهم، ولم نستطع فعل أي شيء فأقرب مستشفى يبعد عن قريتنا مسافة لا تقل عن 60 كم.


بدوره قال المهندس محمود محمد فخر الدين، نقيب الفلاحين بأسوان،إن مشروع العون الغذائي عبارة عن 3 مراحل: أما المرحلتان الأولى والثانية فنهبتا بالكامل عن بكرة أبيهما لصالح مجموعة من الفسدة والمحتالين على القانون، أما المرحلة الثالثة فقد تمت في عهد د- سوزان محمد كامل – التي قامت بشق الترع وبناء المنازل للمتوطنين وتهيئة المناخ العام للمعيشة.


وأضاف فخر الدين،أن الوضع لم يستمر طويلًا فقد انتبه حيتان الأراضي الكبار والمسئولون لأهمية المكان فذهبوا يكيلون لنا المحاضر حتى صرنا كالدمية في أيديهم، حتى وصل الأمر إلى التهديد بإزالة المباني وطردنا من أماكننا التي خصصتها لنا الدولة بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة والفاو فماذا نفعل؟!


أما عبد الله محمد حسين، رئيس جمعية جرف حسين، فيؤكد أن المسئولين بإدارة هيئة بحيرة السد العالي يهدفون إلى تحويل آلاف من الأسر إلى مستأجرين ثم يمارسون الضغوط لطرح أراضيهم على المستشمرين لأهداف كثيرة، مستخدمين في ذلك وسائل عدة من بينها التضليل، والبيانات المزيفة، والآن وبعد أن تناست الحكومة أن الدولة هي من قامت باستحضار هؤلاء المزارعين من جميع محافظات الجمهورية، تنذرهم بالطرد والترحيل؟!


ويوجه نور علي عفيفي، صرخة للمسئولين ويشكو ما أصابه قائلا: "لا نستطيع القيام بالزراعة ولا كسب أقوات تسد جوع أبنائنا بعد قيام الهيئة والمسئولين بتحرير محاضر لهدم منازلنا وإزالة مزارعنا التي ضاعت فيها تحويشة عمرنا، ويتساءل ماذا نفعل بعد 30 سنة غربة على ضفاف البحيرة وكيف سنعود لبلادنا التي بعنا فيها كل ممتلكاتنا؟!


من ناحية أخرى، تؤكد المستندات أن الشئون القانونية بالهيئة العامة للتنمية الزراعية ببحيرة السد العالي قد قامت بإرسال عدة إنذرات للمزارعين بهدف سداد المبالغ المستحقة وإلا فسوف تتخذ الإجراءات القانونية بحسب سيد جمعة مدير عام الشئون القانونية.


يروي أحد أهالي النوبة الذي رفض ذكر اسمه ، قائلا: أن الإدارات المتعاقبة على مشروع العون الغذائي التابع لمنظمة"الفاو" والمقام حول بحيرة ناصر، قامت بالعمل بعشوائية لا تتناسب مع الملايين التي تم دفعها كل عام للصرف على المرافق، فبرغم الملايين المدفوعة لم تقم حتى اللحظة محطات كهرباء أو شبكات مياه.


وأضاف أن : "الحكومة الحالية بصدد رفض تجديد المشروع ، الأمر الذي سيحمل الدولة ما قيمته 600 مليون جنيه، ويعد إهدارًا صارخًا للمال العام، فضلا عن أن المشروعات التي أقيمت كانت من فائض ميزانية مشروعات أخرى قدرت بنحو 180مليون جنيه".


وعبر عن حزنه وغضبه العميق بقوله حياة الفلاح أصبحت غاية في الصعوبة بعد أن حرم من جميع حقوقه، وقد صارت قرى التوطين عرضة لاستيلاء أباطرة وحيتان الأراضي في الحكومة، ليصبح الفلاح معرضًا للتشريد وبلا مأوى في النهاية!


وكشف المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات أنه بالتعاون مع هيئة الرقابة الإدارية، ومباحث الأموال العامة رصدنا مخالفات جسيمة، أسفرت عن وجود 643 مليار جنيه ديوناً مستحقة للدولة لدى الجهات الحكومية، والهيئات الاقتصادية، والشركات، والأفراد.


وأوضح جنينه أن إجمالى قيمة "ما أمكن حصره" من الأراضى التى تم الاستيلاء عليها والخاضعة لـ الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية يبلغ نحو 100.493 مليار جنيه، منها 86.8 مليار جنيه قيمة أراضى وضع اليد والتى تقع خارج زمام المشروعات التى تنفذها الهيئة.


من ناحية أخرى رصد تقرير الفساد حدوث أكثر من 104 واقعة حالة الشهر الماضي بزيادة قدرها 46% عما تم رصده في شهر يوليو 2015، وهو ما يكشف عن زيادة ملحوظة في معدلات الكشف عن جرائم الفساد.


وأشار التقرير إلى استمرار " غياب " التدخلات التشريعية المتكاملة التي يمكنها التصدي لظاهرة الفساد ، وعلى الرغم من بروز اهتمام الوزارات والمحافظات بمناقشة آليات تنفيذ إستراتيجية مكافحة الفساد ، إلا أن هذه المناقشات والاجتماعات لم تسفر عن تحديد آليات بعينها وتطوير خطط محددة لتفعيل الإستراتيجية..


وكشف التقرير عن أن وزارة التموين قد شهدت أعلى معدل لوقائع فساد خلال هذا الشهر برصيد 20 واقعة، بعد ذلك السلطة المحلية في المرتبة الثانية برصيد 13 واقعة، تليها وزارة الداخلية برصيد 12 واقعة، ثم وزارة الصحة برصيد 9 وقائع، تليها وزارة الزراعة برصيد 7 وقائع.


وما زالت هناك قضايا قيد التحقيق وتحتل المرتبة الأولى ضمن قضايا الفساد برصيد 64 واقعة لكل منهما، ثم برصيد 20 واقعة، تليها القضايا التي لم يحقق فيها برصيد 15 واقعة، وأخيرا تحتل القضايا التي تم الحكم فيها المرتبة الأخيرة، برصيد 5 وقائع فقط.