الأدوية المغشوشة والمهربة ومنتهية الصلاحية.. أزمة تهدد حياة الملايين

  • 238
ارشيفية

"نقابي": الضمير هو الضمانة الوحيدة بعد غياب دور "الصحة"
"صيدلي": نخطط لتدشين حملة "اعرف دواءك"
نشطاء نقابيون يدعون لعقد عمومية طارئة لـ"الصيادلة" لمناقشة "الإكسبريس"
وكيل "الصيادلة" السابق: السلاسل سر الوبال.. ورجال أعمال يسعون للسيطرة على المهنة

في جولة جديدة من جولات مكافحة الفساد، سعت "الفتح" لاقتحام ملف الأدوية المغشوشة والمهربة ومنتهية الصلاحية التي لا يعلم أحد حتى الآن مصيرها الحقيقي، هل يتم إعدامها بالفعل تحت إشراف وزارة الصحة؟ أم يتم إعادة تعليبها وطرحها مرة أخرى بالأسوق؟ وفي النهاية تكون الكارثة المفجعة! الاتجار بصحة المواطن الكادح الذي يعاني الأمرَّين للحصول على لقمة العيش كي يطعم بها صغاره، فضلًا عن شراء دواء مغشوش أو منتهي الصلاحية، قد يودي بحياته أو بحيات أبنائه، في حلقة من حلاقات المسلسل العبثي بحياة المصريين، لصالح من باعوا ضمائرهم مقابل تضخم ثرواتهم بالحرام.

تابعنا الخطوة التي قامت بها نقابة الصيادلة مؤخرًا، والتي اعترف فيها الدكتور محيي عبيد، نقيب الصيادلة، بوجود أدوية مغشوشة بالسوق، كما أن قدر قيمة الأدوية منتهية الصلاحية بالسوق تقدر بنحو 600 مليون جنيه، فيما ينتج عنه خسارة الدولة سنويًا 4 مليارات جنيه، نتيجة الأدوية المغشوشة؛ حيث تم الإعلان عن اتفاقية "غسيل السوق" على أن تُفَعَّل في17 أكتوبر الجاري، لسحب الأدوية منتهية الصلاحية والمغشوشة من الصيدليات.

كما رصدنا تخوف غرفة "صناعة الأدوية"من بعض الشركات الأجنبية التي تخطط للسيطرة على السوق منذ 5 سنوات.

فيما فزع صيادلة من تصريحات الدكتور أسامة رستم، مستشار لجنة "غسيل السوق" ومتحدث غرفة الدواء، بخصوص أن شركات الأدوية ستبدأ من الآن قبول المرتجعات حتى 17 أكتوبر، دون التقيد بفاتورة الشراء، وبعد هذا التاريخ ستتقيد بالفاتورة، مضيفًا: "سيجرى فحص الأدوية المرتجعة من السوق في فترة لا تتجاوز 4 أشهر".

كما شكى عدد من الصيادلة ضخامة خسارتهم نتيجة انتهاء صلاحية الأدوية التي تتراوح بين 10 و15% سنويًا من إجمالي المبيعات، مشيرًا إلى أن شركات الأدوية تستعيد 2% فقط من الأدوية منتهية الصلاحية، وتمتنع عن سحب الأدوية المستوردة أو الثلاجة التي تفسد مادتها الفعالة بـ48 ساعة على أقصى تحديد بعد خروجها من الثلاجة مثل الأنسولين، بينما قدرت منظمة الصحة العالمية عام 2012 حجم الأدوية المغشوشة والمنتهية الصلاحية في مصر بـ20% من حجم مبيعات السوق المصرية،

قال الدكتور أحمد كمال الشيمي، مدير بإحدى شركات الأدوية المصرية: إن الأدوية المغشوشة والأدوية المستوردة ومجهولة المصدر وغير المطابقة لمواصفات ورقابة وزارة الصحة المصرية التي يتم تصنيعها فيما يسمي بـ"مصانع بير السلم" وأدوية مافيا التهريب، بمثابة القنبلة الموقوتة التي تنفجر في أجسام المرضى والأصحاء، وهي أشد خطرًا من الإرهاب؛ إذ إن الإرهاب عدو أمامك، ولكن تلك المافيا المجهولة أكبر وأخطر لما تسببه من سرطانات وفشل كلوي وغيره، كل هذا من أجل المكاسب السريعة.

وأكد أن جمهور الشعب في حاجة إلي توعيه بمخاطر تلك الأدوية المهربة وكيفية التأكد من سلامتها، ابتداءً من معرفة رقم باتشة تصنيع الدواء وتاريخ الإنتاج، وتاريخ انتهاء الصلاحية، ورقم تصريح وزارة الصحة، وليعلم المستهلك أنه في حالة غياب أي من هذه البيانات، يتم ا?بلاغ عن من يبيعها فورًا؛ حفاظًا علي السلامة، مشيرًا إلى أنه بصدد تدشين حملة قومية تحت شعار"اعرف دواءك" للتأكد من تلك الاشتراطات الثلاثة السابقة حفاظًا على صحة المواطن.

بدوره، استنكر محمد عبد الفتاح حمد، صيدلي ، تصريحات نقيب الصيادلة قائلًا: "طول عمرنا بنرجع الإكسباير لشركات التوزيع وبعض الشركات المنتجة، بغض النظر عن نسبة المرتجع 2% أو غيره، لكن مفيش شركة واحدة تجرأت على عدم قبول صنف بحجة أنه "مغشوش"، يقوم على آخر الزمن النقيب بذات نفسه يقول إننا بنشتغل في المغشوش؟!".

وترى شريفة فاروق، صيدلانية تعمل بوزارة الصحة، أن كلمة مغشوش تعتبر ثغرة في مصلحة الشركات؛ لأنها ستقول على الأدويه "إكسبير" والصيدلي لن يستطع إثبات العكس، مؤكدة أن وضع الكلمة مبهمة بهذا الشكل، وبدون تحديد آليات سيتم بذلك إدخال نصف الأدوية في إطار المغشوشة.

في سياق متصل، عقب محمد عبد التواب عبد المقصود، صيدلي ويمتلك إحدى الصيدلايات ، على الاتفاق الذي تم بين النقابة وغرفة شركات الأدوية على تنظيف السوق المصري بدون شرط أو قيد أن الاتفاق في الجزء الأول، وهو تعويض الصيدلي عن الأدوية منتهية الصلاحية ويعدم الأدوية المغشوشة بدون تعويض أو مساءلة.

وبعد 6 أشهر يبدأ نظام الارتجاع لكن بشرط وجود فاتورة شراء الصنف المنتهي الصلاحية، هو حق أصيل لكل صيدلية أن تسترجع أية أدوية منتهية الصلاحية ويكفيها تعطيل رأس المال 3 سنوات، مشيرًا إلى أن شرط الإرجاع بفاتورة الشراء تعجيزي، قائلًا: "إذا احتجت ترجيع صنف واحد احتاج قراءة كل فواتير شراء 3 سنوات من جميع الموردين".

وتابع: الأدوية المغشوشة لم تحدد آلية لتحديدها فمن يضمن مصداقية التعامل والشركة هي الخصم والحكم.

وأضاف عبد المقصود، أن الاتفاقية تسيئ إلى سمعة الصيدليات بأنها تتاجر بأدوية مغشوشة وهي مسئولية شركات التوزيع وأجهزة الرقابة، موضحًا أن التشريعات عادة ما تكون مع القوة الرأسمالية، أما الصغار فالتشريع لأخذ الحق منهم وليس العكس.

وأشار إلى أنه لا ينكر مجهود النقيب ومجلسه، لكن لماذا لم يطرح الأمر للنقاش والأخذ والرد من كل الأطراف قبل الاتفاقية التي شابتها السرية والغموض؟! قائلًا: إن سلاسل الصيدليات، ملك القطط السمان التي كنت أعمل بإحداها فور تخرجي، وكان بها دور كامل للأدوية المهربة، وكانت تأتينا الأخبار قبل التفتيش بيوم أو اثنين لغلق الأبواب السرية المؤدية لمخزن المهرب، مستنكرًا أنه حتى الآن مستشار وزير الصحة هو صاحب إحدى أكبر السلاسل، فمن يجرؤ على الاقتراب؟

وعلى صعيد آخر، قال عادل الصفتي، صيدلي: إن ارتجاع الدواء يكون للشركات والمخازن وما يسري على الشركات يسري على المخازن، والصيدلي يرجع لأي منهما دون تقيد، والشركات والمخازن لا تلتزم باتفاقية رفع هامش الربح ونجبر على الأمر ونسكت ونقابتنا لا تحرك ساكنًا.

وأكد الصفتي، أن الشركات والمخازن تلعب دورًا في الخصومات، ترفع كيفما تريد وتخفض كيفما تريد دون رادع، ونحن نجبر ونسكت، ونقابتنا لا تحرك ساكنًا، مستغربًا أن يكون موظفي الشركات والمخازن من غير الصيادلة، متابعًا: "وده باب واسع جدًّا للدخلاء على المهنة بسبب توظيفهم غير الصيادلة بشكل أو بآخر، وإطلاعهم على تفاصيل مهنية تتيح لهم الدخول إلينا من باب خلفي، ونحن نسكت ونقابتنا لا تحرك ساكنًا".

وأوضح أن الإخفاق ليس فقط في اتفاقية إكسبير، بل يجب أن نمليها نحن الصيادلة ونملي شروطها، وكذلك الإخفاق في منظومة دوائية كاملة؛ حيث أخفق فيها المسئولون الحاليون والسابقون على مدار سنوات طويلة، ونحن الآن ندفع ثمنها غاليًا، وما زالت فاتورة الدفع مفتوحة للمزيد؛ فليس في الأفق ما يشير إلى قرب إغلاق الفاتورة.

واستنكر عادل الصفتي، أن "الإكسبير" يرجع دون قيد أو شرط للمخازن أو الشركات، قائلًا: "هي دي الشروط؟!"، متابعًا: "كيف يحدث ذلك وهذا دوركم كمجلس نقابة؟!".

بدوره، قال الدكتور محمد سعودي، الوكيل السابق لنقابة الصيادلة، إن الدواء المغشوش هو كل دواء غير مسجل أو مسعَّر بواسطة الصحة، مضيفًا: أن الأدوية المعربة التي تباع في السلاسل مغشوشة، تحت نظر ورقابة ومعرفة الدولة، مشيرًا إلى أن هناك نوعًا آخر من الأدوية المغشوشة التي تصنع تحت بير السلم سواء كان مهربًا من الخارج أو مصنعًا بمنشئة ناصر أو بعض قرى محافظة الدقهلية، عن طريق وجود صناعة تقوم على هذه الأدوية في مناطق أبو النمرس والمرج شرق القاهرة، وأكتوبر لإعادة جميع هذه الأدوية التي يبيعها بعض الصيادلة أملًا في تخفيف الخسائر؛ وذلك من خلال تغيير تاريخ الصلاحية وإعادة تصديرها مرة أخرى للصيدليات.

واستنكر سعودي، صمت "الصحة" إزاء تلك الأمور، قائلًا: "ستظل مسألة انتهاء صلاحية الأدوية في مصر أمرًا معقدًا وشائكًا، وتدخل فيها اعتبارات صحية للمرضى واقتصادية للشركات المنتجة على حد سواء؛ لعدم وضوح الرؤية بين أطراف المنظومة الصحية، أو بالأحرى عدم وجود قانون ملزم لكل الأطراف يضع حدًا فاصلًا لهذه المأساة التي أصبحت عبئًا على الجميع، ورغم ذلك لا يوجد تحرك فعلي لوزارة الصحة تجاه تجارة أصبحت تشكل خطرًا محدقًا على الصحة".

ولفت إلى أنه خلال فبراير ومارس ومايو وأغسطس الماضيين، حررت إدارة التفتيش الصيدلي 11 محضرًا لأدوية منتهية الصلاحية، فيما سجل المركز نحو 99 بلاغًا حول هذه الأدوية يحال فيها الصيدلي إلى التحقيقات، والعقوبة تتلخص في الغرامة، بينما العام الأسبق شهد توثيق 1695 محضرًا بحق صيدليات مخالفة في نوفمبر 2013، فيما ضبطت أدوية مهربة ومنتهية الصلاحية وغير مسجلة بوزارة الصحة في 85 مؤسسة، وأصدرت الوزارة قرارات بغلق أو إلغاء ترخيص 1729 مؤسسة، مؤكدًا أنه موجود لكنه لم يصل لمرحلة الظهور، وأنه موجود فى معظم دول العالم، موضحًا أن الأدوية المهربة من الخارج لا يوجد ضمانة لسلامتها من حيث التصنيع أو حتى توافر شروط نقلها إلى مصر بالشروط الصيدلانية للنقل.


وأشار الوكيل السابق لنقابة الصيادلة، إلى أن هناك دراسات لهيئة الغذاء والدواء الأمريكية عام 1985 انتهت إلى أنه إذا خرجت المادة الكيميائية بالدواء عن ميعاد الصلاحية، يمكن أن تحدث تغييرات كيميائية تجعل المادة سامة، وكذلك فإن فعاليات الدواء تكون أقل بكثير من فاعليته قبل انتهاء مدة الصلاحية".

وأوضح أنه في بحث علمي لمعهد الأمراض المعدية الأمريكي سنة 1992، ذكر أن الأدوية منتهية الصلاحية تقوم بتكسير كرات الدم البيضاء، وبالتالي تحطم المناعة، بعد تدمير الصوديوم والبوتاسيوم في خلايا الجسم، ما يؤدى لسرعة ضربات القلب فتحدث الوفاة.

وعلى جانب آخر، دعى "سعودي" زملائه، من الصيادلة النقابيين المسددين للاشتراكات، للتوجه لمقر النقابة العامة؛ للمطالبة بعقد جمعية عمومية طارئة لمناقشة اتفاقية "غسيل السوق" التي يعتبرها غير واضحة الملامح؛ لكونهالم تضع آليات أو اشتراطات تصب في صالح الصيدلي وتقيدها بالفاتورة التي يستفاد منها بالأساس أصحاب الشركات.