عيد ميلاد المسيح!

  • 146

في كل أمة من الأمم، أو ملة من الملل، تجد في سلوكها ومظاهرها، ما تستطيع أن تحكم به على أفكارها وعقائدها، وهذا يؤكد لنا صحة المقولة المشهورة: "السلوك مرآة الفكر"، وبتعبير شرعي: (ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).

وبقدر ما تتفق المظاهر والشعائر بقدر ما تتفق الأفكار والعقائد، وهذا ما عبر عنه الشرع في الحديث النبوي: (من تشبه بقوم فهو منهم).
فإنك إذا طالعت مثلاً أعياد أمة كاليونان، لم تكد تجد يومًا من أيام السنة إلا وفيه عيد من أعيادهم؛ إرضاءً لإله من آلهتهم، التي زاد عددها فوق الحصر، وما قاربهم أحد في ذلك في قطر ولا مصر. فهل هذا إلا لفراغ عقولهم وفساد حلومهم، حتى كلوا وملوا من تلك الأعياد، إذ تاهوا من قبل وضلوا عن طريق الهدى والرشاد، فاخترعوا عيدًا فريدًا لكبير آلهتهم ومقدم أربابهم "زيوس" يتكرر كل أربع سنوات عند سهل "أوليمبيا"، وبالقرب

من جبال "الأوليمب"، وعنده أوقدوا شعلتهم الوثنية، وانطلقوا في ألعابهم الأوليمبية.

بل لو طالعت أعياد ملة كالنصرانية، لوجدت عجبًا من التصور الفاسد، والاعتقاد الباطل.

فأعظم أعيادهم المبتدعة ما أسموه "عيد الفصح"، أو "عيد القيامة"؛ وهو عندهم يوم الفطر من صومهم الأكبر، ولا يكون إلا يوم الأحد، ويسمى "أحد الفصح"، ويزعمون أن المسيح -عليه السلام- قام بعد موته بثلاثة أيام؛ ليخلص آدم من الجحيم. وهذا إشارة إلى اعتقادهم في المسيح، الذي يزعمون كذبًا أنه ابن الله، ويشيرون إليه باسم (الناسوت)، إشارة إلى الطبيعة الإنسانية للمسيح، في مقابل (اللاهوت)، الذي يشير إلى الطبيعة الإلهية له، ولكنهم اختلفوا في حقيقة تلك الصفات بعد التجسد ، فتعتقد طائفة الأرثوذكس، أن المسيح بعد التجسد له طبيعة واحدة متحدة، بينما يعتقد الكاثوليك والبروتستانت، أن له طبيعتين إحداهما (لاهوتية)، والأخرى (ناسوتية)، كما أن له مشيئتين كذلك .

واختلفوا كذلك في وقوع الصلب، هل كان على الناسوت فقط؟ أم على الناسوت واللاهوت معًا؟ وهذا بناء على اختلافهم السابق في طبيعة المسيح بعد التجسد .

وفي النهاية هم متفقون على وقوع الصلب، على الذي يزعمون أنه "ابن الله"، وأنه قام بعد موته؛ ليصعد إلى الملكوت -فتعالى الله عن إفكهم وضلالهم-.

وهذا العيد يأتي بعد عيد قبله، وهو عيد ميلاد إلههم المزعوم، الذي سيموت بعد قليل ليقوم بعد موته؛ ليحتفلوا به في عيد قيامته.
عيد الميلاد:

وعيد الميلاد هذا، أو كما يحلو لهم أن يسموه "عيد الكريسمس"، هم أنفسهم لا زالوا مختلفين فيه؛ فعامة النصارى تحتفل به في يوم الخامس والعشرين من ديسمبر. أما عند نصارى الشرق فيحتفلون به يوم التاسع والعشرين من شهر "كيهك" حسب التقويم القبطي، والذي يوافق السابع من شهر يناير حسب التقويم الميلادي.

وقصة الميلاد مذكورة في إنجيلي "لوقا" و"متَّى". وأول احتفال به كان عام 336م، وقد تأثر بالشعائر الوثنية؛ حيث كان الرومان يحتفلون بإله الضوء، وإله الحصاد، ولما أصبحت الديانة الرسمية للرومان النصرانية؛ صار الميلاد من أهم احتفالاتهم في أوروبا، وأصبح القديس "نيكولاس" رمزاً لتقديم الهدايا في العيد من دول أوروبا، ثم حل البابا "نويل" محل القديس "نيكولاس"، رمزاً لتقديم الهدايا خاصة للأطفال.

وقد تأثر كثير من المسلمين في مختلف البلاد بتلك الشعائر والطقوس؛ حيث تنتشر هدايا البابا "نويل"، المعروفة في المتاجر والمحلات، التي يملكها في كثير من الأحيان مسلمون، وكم من بيت دخلته تلك الهدايا، وكم من طفل مسلم يعرف البابا "نويل" وهداياه! فلا حول ولا قوة إلا بالله.

ومن خرافاتهم في ليلة رأس السنة -"31 ديسمبر"- اعتقادهم أن الذي يحتسي آخر كأس من قنينة الخمر بعد منتصف تلك الليلة سيكون سعيد الحظ، وإذا كان عازباً فسيكون أول من يتزوج من بين رفاقه في تلك السهرة، ومن الشؤم دخول منزل ما يوم عيد رأس السنة دون أن يحمل المرء هدية، وكنسُ الغبار إلى الخارج يوم رأس السنة، يُكنس معه الحظ السعيد، وغسل الثياب والصحون في ذلك اليوم من الشؤم، والحرص على بقاء النار مشتعلة طوال ليلة رأس السنة يحمل الحظ السعيد... إلخ تلك الخرافات.

عيد الغِطَاس:

وهو يوم "19 يناير" عند عامة النصارى، وأما عند الأرثوذكس فيوم "11 من شهر طوبة" حسب التقويم القبطي، وأصله عندهم أن يحيى بن زكريا -عليهما الصلاة والسلام- والمعروف عندهم "بيوحنا المعمدان" عمّد المسيح ابن مريم -عليه السلام- في نهر الأردن، وعندما غسله اتصلت به روح القدس، فصار النصارى لأجل ذلك يغمسون أولادهم في الماء في هذا اليوم، وينزلون فيه بأجمعهم.
وعلى هذا المفهوم تحتفل به الكنائس الأرثوذكسية، وأما الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية فلهم مفهوم آخر في الاحتفال به عن طريق الرش بالماء، وليس التغطيس.

شعائر بين عيد الميلاد المبتدع، وعيد القيامة المخترع:

1- بداية الصوم الكبير، وهو أربعون يوماً قبل أحد الفصح، ويبدؤون الصوم بأربعاء يسمونه أربعاء الرماد؛ حيث يضعون الرماد على جباه الحاضرين ويرددون: "من التراب نبدأ وإليه نعود".
2- أسبوع الآلام، وهـو آخر أسبوع في فترة الصوم، ويشير إلى الأحداث التي قادت إلى موت عيسى -عليه السلام- وقيامته -كما يزعمون-.
3- أحد السعف، وهو يوم الأحد الذي يسبق أحد الفصح، وهو أول يوم من أسبوع الآلام، وهو إحياء ذكرى دخول المسيح بيت المقدس ظافراً. ويسمى أيضًا "أحد الشعانين"، و"أحد السعانين"، و"أحد الأغصان".
4ـ- خميس العهد، أو الصعود، ويشير إلى العشاء الأخير للمسيح، واعتقاله، وسجنه.
5- الجمعة الحزينة، وهي السابقة لعيد الفصح، وتشير إلى موت المسيح على الصليب -حسب زعمهم-.
6- سبت النور، وهو الذي يسبق عيد الفصح، ويشير إلى موت المسيح، وهو يوم الانتظار، وترقب قيام المسيح أحد عيد الفصح.

وتنتهي احتفالات عيد الفصح بيوم الصعود، أو خميس الصعود؛ حيث تتلى قصة رفع المسيح إلى السماء في كل الكنائس، ولهم فيه احتفالات ومهرجانات مختلفة باختلاف المذاهب والبلاد النصرانية، ويسمون خميسه وجمعته السابقة له "الخميس الكبير"، و"الجمعة الكبيرة"، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، وهو الخميس المقصود برسالة الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- "تشبه الخسيس بأهل الخميس".
وهذا الخميس، هو آخر أيام صومهم، والذي يليه أحد القيامة، والذي يتبعه مباشرة الاحتفال بشم النسيم يوم الاثنين التالي له.

والعجيب أن يأتي بعد ذلك من المسلمين من يهنئ هؤلاء بأعيادهم، أو يشاركهم فيها، وقد علم ما فيها من فساد في الاعتقاد، قال -تعالى-: { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) } [مريم: 88 - 95] ، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من تشبه بقوم فهو منهم).

قال ابن القيم -رحمه الله- في أحكام أهل الذمة:

"وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنـزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه.

وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل. فمن هنأ عبداً بمعصية، أو بدعة، أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه". اهـ
نسأل الله -تعالى- أن يهدي من ضل من المسلمين، وأن يثبتنا على الصراط المستقيم.