هل تتحول "صولة السكاكين" إلى انتفاضة كبرى في فلسطين؟

  • 225
ارشيفية

هل تتحول "صولة السكاكين" إلى انتفاضة كبرى في فلسطين؟
مراقبون: الكيان الصهيوني سيتخذ من تدخل الفصائل المسلحة ذريعة لتنفيذ عمليات مسعورة
مراكز بحثية: الاحتلال قد يلجأ إلى السلطة في رام الله لإخماد الثورة الشعبية مقابل مكتسبات هامشية


دخلت "انتفاضة القدس" شهرها الثاني، ولا تزال المواجهات مستمرة مع قوات الاحتلال في جميع نقاط التماس، وأسفرت عن ارتقاء 74 فقيدا فلسطينيًّا، إضافة إلى أكثر من 2100 جريح، في حين أعلن الجانب الصهيوني مقتل 11 صهيونيًّا خلال عمليات طعن ودهس، منذ مطلع الشهر الماضي.
ويرى المراقبون أن الأوضاع في القدس مقبلة على الانفجار، خاصة بعد أن كشفت مصادر ميدانية عن لقاءات سرية جرت في إحدى مدن الضفة، بين عدد من الفصائل والقوى الوطنية، للتباحث في كيفية إدارة "انتفاضة القدس".


وبحسب المعلومات المتوفرة فإن الاجتماع انتهى إلى تولي 5 فصائل فلسطينية كبيرة، موزعة على القرى والمناطق بالضفة والقدس، لضمان تنظيم المواجهات التي تجري على نقاط التماس مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتوفير التغطية اللازمة لحماية الهبة الشعبية.


وأكدت الفصائل الخمس ضرورة تقديم كل الدعم والمساندة للشباب الثائر بمدن الضفة والقدس، وأن المرحلة المقبلة ستكون أشد خطورة، مشددين على ضرورة أن تكون تلك الانتفاضة تحت هيئة إدارية فصائلية تنظمها وتدعمها.


ويرى أسامة الشعت، الكاتب والمحلل الفلسطيني، أن انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الممارسات الصهيونية أمر مشروع وحق من حقوقه من خلال جميع الوسائل المشروعة.


ولفت الشعت، إلى أن تدخل أي فصيل فلسطيني مسلح في الانتفاضة قد يستغله الاحتلال الصهيوني في شن حملات مسعورة، مضيفًا: "الاحتلال الصهيوني سيستغل تدخل الفصائل كذريعة يعربد من خلالها أكثر وأكثر في القدس".


بدوره، دعا الدكتور ياسر طنطاوي، الخبير في الشئون الصهيونية والفلسطينية بمركز الأهرام، الفصائل الفلسطينية إلى وضع الشعب الفلسطيني في الحسبان، قائلًا: "حينما نتحدث فيجب أن نضع الشعب الفلسطيني وحده أمام الأنظار؛ لأن الشعب الفلسطيني هو الوحيد الذي يضرب، والذي يدفع الثمن، ونحن على يقين أن الشعب هو القائد لنفسه، ويتحرك للدفاع عن أرضه ومقدساته، وحياته".


وشدد طنطاوي، على ضرورة معاقبة الاحتلال الصهيوني على جرائمه الوحشية تجاه الشعب الفلسطيني، مطالبًا الأمم المتحدة أن تَكُفَّ عن سياسة الكيل بالمكاييل المختلفة، مؤكدًا أن ذلك يؤدي إلى إحداث فجوة كبيرة، ويزيد من حدة الصراع.


وأضاف: "هذه السياسة تُشعر الشعب الفلسطيني بالوحدة وستدفعه أن يأخذ بالثأر بنفسه، ذلك أن الجميع قد تكالب عليه".


وفي هذا الشأن، قال الدكتور جهاد الحرازين، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية والمحلل السياسي، إن الهبة الجماهيرية التي يقودها الشباب الفلسطيني الثائر، والتي تعبر عن ثورة الغضب الكامنة بالنفس نتيجة هذا الاحتلال الغاشم وإجراءاته التعسفية واعتداءته الإجرامية المنافية لكل الأعراف والمواثيق الدولية والأخلاق الإنسانية أتت دفاعًا عن المقدسات الإسلامية والكرامة.


وأضاف: "لا يعقل أن يقف الشباب الفلسطيني مكتوفي الأيدي أمام هذه الجرائم والانتهاكات الصهيونية تجاه المقدسات الإسلامية؛ حيث أتت في سياق رد الفعل الطبيعي الرافض لإجراءات الحكومة اليمينية المتطرفة؛ حيث إن استمرارية الهبة الجماهيرية الشعبية تعبر عن حالة انسداد الأفق التي وصلت إليها الأوضاع في الأراضي الفلسطينية في ظل حالة الصمت العربي والدولي".


وأكد الحرازين، أن الكلمة العليا في هذه الهبة الجماهيرية للشباب الفلسطيني الذي خاض هذه المرحلة بصموده وتحديه لآلة البطش الصهيونية وما وصلت إليه الأوضاع من حالة من التوافق ووحدة الحال على أرض الميدان، الأمر الذي يتطلب وقفة جادة وحقيقية من الفصائل للعمل من أجل المصلحة الوطنية الفلسطينية وتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني وليس تحقيق مكاسب فصائلية أو حزبية تؤدي إلى تدمير هذه الهبة وإفقادها بريقها، وحالة التعاطف الدولي والعربي من خلال أسلوب المقاومة الشعبية والسلمية في مواجهة الاحتلال".


وتابع: "يجب علينا ألا نحمل هبة هذه الجماهير أكبر من طاقاتها، وعلينا أن يكون لدينا الوعي والإداراك في كيفية مواصلة هذه الهبة وتحقيق أهداف محددة تلبي طموحات الشارع الفلسطيني بعيدًا عن حالات الاصطفاف الحزبي والمزايدات والمراهنات التي تريد في بعض الأحيان أن تصل بهذه الهبة الجماهيرية إلى حالة من تغيير المسار باتجاه عسكرة هذه الهبة؛ الأمر الذي سيقدم للاحتلال كهدية لأننا ندرك جيدًا أن الاحتلال يريد جرنا إلى مربع المواجهة العسكرية لينقض على مكونات الدولة الفلسطينية وعلى أبناء شعبنا الفلسطيني ويدمر الحلم الفلسطيني بالدولة والهوية مع منحه فرصة للخروج من عزلته الدولية التي وضعته فيها القيادة الفلسطينية بالجهد والعمل الدبلوماسي فهو يريد أن يصل بشعبنا لمرحلة يصفه فيها بالإرهاب ليكسب حالة من التعاطف الدولي مع مخططاته التدميرية".


ومع احتدام وتيرة الأحداث بالقدس والضفة الغربية، أصدرت العديد من الجهات البحثية عدة دراسات وبحوث استراتيجية كان لها روية أخرى حول الأحداث، حيث أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، تقريرًا استراتيجيًّا يحمل رقم (81) بعنوان: "مستقبل انتفاضة القدس" وضع فيه عدة سيناريوهات حول المشهد الفلسطيني جاء كالتالي:


السيناريو الأول: أن يتم محاصرة الانتفاضة وإطفاء جذوتها من خلال "تعاون أمني" بين الاحتلال الصهيوني والسلطة الفلسطينية في رام الله، مقابل بعض المكتسبات الهامشية.


وعن السيناريو الثاني قال المركز: المراوحة، أي: أن تستمر الهبات الشعبية في الارتفاع والانخفاض دون تطويرها لتتحول إلى انتفاضة حقيقية واسعة، بسبب تدافع العوامل المتعارضة.


وأما السيناريو الثالث فهو اتساع رقعة المواجهة لتأخذ شكلًا أقرب إلى الانتفاضة، من خلال ضمان استمرار فعالياتها ورفع وتيرة الهجمات وتنويعها، وتأطير الانتفاضة من خلال قيادة ميدانية فاعلة، ووضع رؤية وبرنامج سياسي واضح لها.


فيما اعتبر "المركز العربي للبحوث ودراسة السياسات"، أن المشهد السياسي الفلسطيني أمام احتمالات، أولها؛ أن يتوسَّع الغضب الشعبي ويرتقي لمستوى هبّة شاملة تضم الأراضي الفلسطينية كافة في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، وفي هذه الحالة فإن السلطة الفلسطينية ستقف أمام خيارين؛ إما مواجهة هذه الحالة بقبضة أمنية شديدة وتنسيق أمني عالي المستوى مع الكيان الصهيوني كما هو معهود أو دعم السلطة للانتفاضة كما فعلت عام 2000، غير أن هذا خيار مستبعد، نظرًا لكون السلطة الفلسطينية الحالية تعارض تمامًا نهج ياسر عرفات في الانتفاضة الثانية وتعده كارثيًّا، كما أن عقيدة أجهزة الأمن ليست عقيدة مواجهة مع إسرائيل بل مكافحة الإرهاب".


أما الاحتمال الثاني؛ فيتمثَّل بانحسار حركة الاحتجاج وتراجعها أمام القبضة الأمنية الشديدة للسلطة الفلسطينية والاحتلال الذي بدأ باتباع أساليب عقابية جديدة ضد الفلسطينين، وهذا الخيار أيضًا لا ينهي الأزمة؛ فالشبان الفلسطينيون الذين يقاومون حاليًّا قد ولدوا بعد اتفاقية أوسلو، وهم يقاومون في أصعب الظروف، وهم يتحدون حالةً عربية وفلسطينية رسمية أبعد ما تكون عن المواجهة مع الاحتلال الصهيوني".