صفات جيل التمكين

  • 144

الحمد لله المتفرد بالجلال والكمال، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، الذي أنقذ الله به البشرية من ظلمات الكفر، والشرك، والذنوب، والمعاصي، إلى نور الإسلام، وهدى القرآن، وعلى آله الأطهار، وصحبه الأبرار، الذين ورثوا هذا الدين، وحققوه قولا وعملا، وعلى من سار مسارهم، واتبع سبيلهم إلى يوم الدين، وبعد:
إن في مرحلة الاعداد والتربية يهتم المشرفون عليها من الدعاة بصفات جيل التمكين، ويعملون على غرسها في نفوس العناصر، التي اختيرت لهذه المرحلة، لعلمهم اليقيني أن لجيل التمكين صفات خاصة تميزه عن غيره من الأجيال؛ ليتمكن من التغلب على التحديات التي تواجهه، سواء من الداخل أو الخارج، ويمكننا تقسيم صفات جيل التمكين إلى: صفات: إيمانية، وصفات سلوكية أخلاقية، وصفات حركية ودعوية، وصفات نفسية.

أولا ـ الصفات الإيمانية: (1) ربانية وإخلاص: يعيش جيل التمكين الرباني في الدنيا بقلوب أهل الأخرة، ويعيشون فوق الأرض وقلوبهم تهفو إلى رضا المولى عز وجل، ودخول جناته، ورفقة النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، مخلصين لله رب العالمين.

(2) الشعور بمعية الله عز وجل: هذا الشعور يدفع العبد المؤمن إلى الصدع بالحق، ويطرح صاحبه وراءه الجبن، والخوف، والهلع، ويحدث انقلابا نفسيا في حياة الداعية، قال تعالى: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62] هذا في حق موسى عليه السلام، وقال النبي صلى الله عليه وسلم، لأبى بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما، معية النصر والتأييد.

(3) غرباء في هذه الدنيا: إن هذا الصنف هو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله:" بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء "، قيل من الغرباء ؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس".

(4) طلاب آخرة: لعلمهم بأن متاع الدنيا قليل، {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 77]

(5) أوابون توابون: يجب أن يتربى المسلمون على حذر من معصية الله، أكثر مما نحذر من أعداء الله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].

ثانيا: ـ صفات سلوكية وأخلاقية: يجب أن يتحلى بها وهي:
(1) الصدق: وهو سلوك وصف الله به أنبياءه، عليهم السلام، وكذلك وصف به الرجال، فقال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23].
(2) الصبر: خلق وصف الله به الدعاة: فقال {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، ولنا في قدوتنا صلى الله عليه وسلم، أسوة حسنة في صبره على أهل مكة، وما وجده عند عودته من الطائف.

(3) الحب والايثار: يرى الداعية أن إخوانه أولى به من نفسة، فهو يحب لهم الخير، ويعمل على هدايتهم، وأن يترجمه لهم في تصرفاته، فإن هذا أدعى إلى التفاف الناس حوله، وأن يكون لإخوانه كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا.

(4) العطاء، والبذل، والجود: وهي صفة بارزة في حياة المؤمن، فهي قاعدة المجتمع المؤمن المتكافل المتضامن، فالنبي صلى الله عليه وسلم، أعطى الرجل غنم بين جبلين.
ومراتب الجود كثيرة، منها: الجود بالنفس، وهو أعلى المراتب، الجود بالعلم وبذله، الجود بالنفع بالجاه كالمشي في قضاء مصالح المسلمين، الجود بالصبر والاحتمال، الجود بالراحة فيتعب في قضاء مصالح غيره، الجود بترك ما في أيدي الناس.

(5) العفة، والاستغناء عن الناس: إنه جيل مرتبط بالله عز وجل، لا يعمل إلا لله، ولا يسأل إلا الله، فهو غنى بالله، ولذلك امتلأت نفوسهم عفة، لا يتطلعون إلا إلى فضل الله، ولا يرجون إلا رحمته.

ثالثا: ـ الصفات الحركية والدعوية:
(1) يجب أن يتولد لدى جيل التمكين شعور ذاتي بمسؤولية العمل للإسلام؛ لأن العمل للدين قرين الانتماء إليه، ووظيفة العمر، ومسؤولية الجميع، ملقاه على كاهل كل مسلم، والمثل الأعلى من الصحابة أبو بكر الصديق، والأمثلة كثيرة جدا.

(2) يؤمن بالواقعية والعملية: فهو بعيد عن الغوغائية، ويحتكم إلى الحقائق لا إلى الأوهام، ولا ينسى وهو يتطلع إلى السماء أنه على الأرض، فلا يجري وراء خيال كاذب، ولا أماني موهومة، فيسبح في غير ماء.
لكنه يعرف حدود قدراته، ودوائر إمكاناته، يراعي سنن الله في كونه، كما يراعي أحكامه في شرعه، ويتبنى سياسة النفس الطويل، والصبر الجميل، يؤمن بالعلم، ويحترم العقل، ولا يتبع الظن وما تهوى الأنفس.

(3) جيل عمل، وبناء جماعي: فلا يقف عند التغني بأمجاد الماضي، ولا عند النواح على هزائم الحاضر، ولا عند التمني لانتصارات المستقبل، وإنما يؤمن بالعمل، والعطاء، والإنتاج. يمضون في العمل الجماعي، يعملون في صمت، ويبنون في صبر، ويجاهدون بلا كلل ولا ملل، وعزموا على أن يكونوا متعاونين على البر والتقوى، متكاتفين في السراء والضراء،

(4) جيل توازن واعتدال: فهم متوازنون، معتدلون على صراط مستقيم، يعلمون أن لربهم عليهم حقا، وأن لأنفسهم عليهم حقا، وأن لأسرهم عليهم حقا، ولمجتمعهم عليهم حقا، فهم يعطون كل ذي حق حقه.

عندهم توازن بين الثبات على الغايات، والتطور في الأساليب، بين أداء الواجبات، وطلب الحقوق، بين الحرص على القديم، والاستفادة من الجديد، فلا ينقطعون عن الماضي ولا ينعزلون عن الحاضر، فرسان بالنهار، ورهبان بالليل، لا تلههم نافلة عن فريضة، ولا فريضة عن مثلها.

(6) جيل منضبــــط: يعيش جو الانطلاقة بضوابطه، فيتحرك بدعوته، وفكرة بين الناس، مراعيا الضوابط الحركية، حتى لا تكون حركة غوغاء، ولا تمنعه الطاعة من أبداء آرائه في جو من الصراحة، والوضوح، وتتسع صدوره لآراء المخالفين، ولا يجد غضاضة في التنازل عن رأيه، إذا استقر رأي الشورى على رأي آخر، يعرف ما الذي يعلن من دعوته فلا يتردد في الجهر به وتعليمه للناس، وما الذي يسر فلا يبوح به ولو لأقرب الناس إليه.

رابعا: ـ الصفات النفســــــية: من الصفات النفسية التي يجب أن يتحلى بها جيل التمكين:

(1) إرادة قوية لا يتطرق إليها لين، ولا ضعف، قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا} [آل عمران: 146]
ومن مظاهرها: معرفة الهدف والإصرار على تحقيقه والوفاء به، الهمة العالية، والعمل الدائب المتواصل، محاسبة النفس بشدة والانتصار عليها، مخالطة الناس والصبر على أذاهم، الصراحة في الحق والانصياع له، والاعتراف بالخطأ وعدم إفشاء السر، استشراف الأمل وعدم اليأس وسياسة النفس الطويل.

(2) تضحية عزيزة، لا يحول دونها طمع، ولا بخل:
ومن مظاهرها: وضع الدعوة في قمة الأولويات، مع استصحاب نية التضحية، والقدرة في بذل العزيز على النفس، والمال، والراحة، وفراق الأهل، وتقديم مصلحة الدعوة على المصلحة الفردية، والاستعداد الكامل لتنفيذ الأمر على أي حال، وتحت أي ظرف،

(3) وفاء ثابت، لا يعدو عليه تلون ولا غدر:
ـ ومن أنواع الوفاء: وفاء مع الله، مع الدعوة، مع الأخوة، مع النفس، مع الناس، الاعتراف بالجميل، وتوريث الدعوة، وفتح مجالات عمل جديدة، الاستمرار في العمل حتى في أحلك الظروف، المصارحة والنصيحة بآدابها الشرعية، تفقد الغائب، والشعور بآلام الآخرين، الذب والدفاع عن الإسلام وقياداته وعلمائه.

استشعار ثقل الأمانة، والتبعة الملقاة على الدعاة، التمسك بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، عدم الاجتهاد في الثوابت.

(4) الاتزان النفسى (الانفعال):
وهي صفة هامة، يجب أن يتصف صاحب الشخصية السوية المتزنة، ومن أهم مظاهر الاتزان النفسى: الثقة بالله عز وجل، وفى نصرة وتأييده لأوليائه، وحسن التوكل عليه، ملك النفس عن الغضب، العاطفة المتزنة، وضع الأمور في نصابها وحجمها، دون تضخيم ولا تصغير، البعد عن الحساسية المفرطة، وأن يؤخذ الكلام على أحسن محمل، الانضباط والكتمان وعدم الثرثرة، البعد عن الانطوائية.

ذلكم هو الجيل الذي ننشده، وتنشده معنا الأمة بكاملها، وهو الجيل الذي تعمل القوى العالمية على إجهاضه، وشغله عن معاركه، ومعارك أمته الكبرى بمعارك جانبية تافهة، وإغراقه في دوامة الجدل لا يخرج منها.
إن هذا الجيل، هو جيل النصر الذي تتحرر على يديه كل أرض دنسها الطواغيت، والفجار، وهو الذي ترتفع به راية الله في أرض الله، هذا الجيل هو الجدير بأن يتنزل عليه نصر الله عز وجل. !!!!

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، والحمد للــــه رب العالمين.