الإخوان والفلول.. عُمق الدولة والحزب

  • 150
بلال الصباح - الكاتب السياسي الأردني

ليس هناك شك أن مصر العربية دخلت عامها الجديد مرفقة بمجموعة من التحديات السياسية والإقتصادية والتي رمت بها رياح التغيير، فمصر اليوم ليست كما كانت في عهد السابق مرسي، وعهد السابق ليس كعهد الأسبق مبارك.

وعلى الرغم من ثقة الفريق الجديد بقدراته على تجاوز الصعوبات السياسية والإقتصادية خلال الفترة المُقبلة، فإنه يمكن القول أن الفريق الآخر ما زال يرفض كل ما حدث بعد 30 يونيو، ولا يبدو لنا أنها مرحلة قصيرة المدى، أو زوبعة صيف في فنجان القاهرة، فقد يطول الأمر ويطول بعد توجيه تهمة الإرهاب لجماعة الإخوان المسلمين المصريين، وحظرها وملاحقة مُنتسبيها.

لذلك لابد أن نقف اليوم جميعاً أمام تحديات من نوع آخر، والتي فيها الرؤية الواضحة للمستقبل المصري من حيث مضمون الهوية الجديدة والتي انبثقت بعد الأحداث الأخيرة في ظلحدة تزايد الهيمنة الفارسية على الساحة العربية بالتزامن مع المد التركي وهدنة العرب مع الإدارة الإسرائيلية.

لم يتردد الإخوان المسلمون في وصف من سبقهم في الحكم بالفلول، فسرعان ما كان الرد بوصف الفريق الجديد لإخوان مصر بالإرهابيين بعد خلع الأخير مرسي. ويبقى الجدل قائماً، وهل وصف الفلول نتاج عمق دولة مبارك وعجز الإخوان عن مواجهتها؟، أم وصف الإرهابيين جاء بعدما أدرك الفريق الجديد عمق حركة الإخوان المسلمين في المجتمع المصري؟، وقد يحتاج محوها إلى سنوات وسنوات.ومع ذلك، فالمصريون هم الأولى بهذا الجدل لتحديد مستقبلهم، وإن كنا لا نحبذ أن يتوه الشعب المصري في غَيَابات جُب مُظلم يشق الشعب المصري فريقين بين ثوار وإنقلابيين.

ولو فرضنا جدلاً أن الخمس سنوات القادمة سوف تشهد نهاية حقيقية لحزب الحرية والعدالة وحركة الإخوان المسلمين في مصر، وهذا من الجانب السياسي والقانوني، ليبقى جمهور هذه الحركة ومصيره بينفكرته الإخوانية وبين الإرتماء في الأحضان الأخرى سواءاً في مصر أو خارجها، وهنا السؤال الحقيقي في ظل فضاضة فكر الإخوان المسلمين القائم على الإنتماء للشيء دون تحديد ماهية وأسس القيام عليه، وهذا ما يجعل عملية جذب بعض من مُنتسبيه للجهات الأخرى أقل سهولة، حيث تتوافق هذه الحركة الإسلامية مع المصالح قبل الثوابت.

وهناك تضارب في تحديد عدد العاملين في حركة الإخوان المسلمين، فقيادي يذكر (10) مليون، وقيادي آخر يقول بعد فصله من الحركة أن عدد العاملين في الحركة لا يتجاوز (5) آلاف فقط. وإن كان هذا الغموض لا يليق بحركة إسلامية، لكن يُمكن القول أن عدد المُتعاطفين معهم أخذ من مشارق المنطقة العربية ومغاربها. والسؤال مرة أخرى.. حول الحاضنة الجديدة لبعض العاملين من الإخوان، والأمر هنا لا يعني انشقاقهم عن جماعة الإخوان المسلمين، بل أن بعضاً من شباب الإخوان قد يضطر أن يبحث عن البديل الفكري والسياسي لملء فراغ تركته الجماعة بعد حلها ومتابعة مشواره عبر الحركات الأخرى.

ولا نرى الساحة المفتوحة لمحاولات الاستقطاب على الصعيد الداخلي في الدولة المصرية تنحصر بين تيار الليبرالية وبين القومية اليسارية، حيث الليبرالية المصرية أخذت حكراً على طبقة مصرية وفيها فوقية من دون بقية المصريين، وهي أقرب لليبرالية التقليدية، وكذلك القومية اليسارية لم تعد قادرة على الدوران مع اليسارية الخارجية في ظل قبضة النظام الجديد، وإن كانت هي الأقرب لبعض من العاملين في حركة الإخوان المسلمين وبعض من الشارع المصري.

وما نراه في حقيقة المنافسة لفرض الوجود على الساحة الشعبية في استقطاب بعض الإخوان المسلمين وغيرهم من الجموع الكبيرة والتي تنظر وتراقب والحيرة في أمرهم مما يحدث، سوف تقع بين الذراع السياسي للدعوة السلفية وبين الليبرالية المُتطورة، وهي جديدة وتُغني عن التقليدية، وقد تدخل مصر قريباً بقيادة البرادعي وحمزاوي.

كما لا يُمكن عزل هذه المنافسة الحقيقية عما يحدث خارج الأرض المصرية في ظل صراع القوى الفارسية والتركية مع الثقل العربي والذي تحمله المملكة العربية السعودية، وقولي هذا لا يعني إندثار حركات كالإخوان واليسارية، وإنما مصر والمنطقة العربية برمتها على أبواب تغيير، وقد يصحب هذا التغيير صعود تيارات وهبوط أخرى، وهكذا دواليك.