الدستور شبهات وردود

  • 117

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ما إن ظهرت نتيجة إجتماع حزب النور، وهيئته العليا بشأن الإستفتاء على الدستور وكانت نتيجة التصويت بنعم –تتابعت المقالات، التي تسم الحزب قادته، وأتباعه بالتخوين والعمالة والموافقة على الكفريات وغير ذلك من الكلام الذي خرج من ألسن لم ينظر أصحابها إلى عاقبة ذلك عند الله تعالى، ومثل هؤلاء لا ننشغل بالرد عليهم، ونحتسب سبابهم وإتهامتهم عند الله تعالى، ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل –وقد قرأت مقالا أسماه صاحبه لم يسلك فيه مسلك السبابين وإنما أراد نصحا بلطيف عبارة– الأخ الدكتور أحمد قوشتى –مدرسا بجامعة أم القرى- كتب ناصحا ومعاتبا - والنصيحة من كل أحد مقبولة، لكن لي عتاب عليه في نقاط قبل الرد على ماأثاره من شبهات:

1-: كما هو معلوم أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وكان جديرا به قبل كتابة المقال أن يسأل أصحاب الشأن، ماذا صنعتم؟ وما هي طبيعة المعركة التي دخلتموها؟ وما هي المكتسبات التي حصلتموها وما هي الأضرار التي دفعتموها؟

2-: من الواضح أن خطابك للقواعد وليس للقادة، الذين يملكون حيثيات القرار قبل مناقشتها مع القواعد.

3-: كنت أود منك قراءة دستور 2012 قبل نقض 2013؛ حتى يكون النقض موضوعي، بذكر الاختلافات بين الاثنين، وعقد مقارنة ما الذي زاد أو نقص – وماهي الفروق الجوهرية، وهلهي مؤثرة أم لا – فهذه طبيعة البحث المتجرد -وإلا فقد قام غالب التيارات الإسلامية بالتصويت على الدستور السابق، ولم نرى مثل هذا النصح أو التحذير.

أما عن بعض الشبهات المذكورة في المقال:

أولا: قولك أناشدك الله أن تسأل نفسك بتجرد وموضوعية: هل أنت مقتنع فعلا أن هذا الدستور نصر الشريعة وقدم لها تفسيرا محكما منضبطا؟ وهل نسيت ما قيل مرارا عن علمانية المحكمة الدستورية العليا، وأن المادة 219 خط أحمر؟ وأي فرق بين ما كان قديما في دستور 71، وما سيكون الآن؟·

أناشدك أنا كذلك بتجرد وموضوعية، هل ترى أن في هذا الدستورية جملة واحدة تقطع أنت وتجزم بل تحلف عليها أنه يحرم من أجلها التصويت بنعم؟ ثم إنالمادة 219 وحاولنا بكل الطرق الحفاظ على ألفاظها ومعناها، فلما وجدنا صعوبة في الإبقاء على الألفاظ، حافظنا بفضل الله على المعنى، ولما أراد البعض وضع تفسير قطعي الثبوت وقطعي الدلالة فقط، أقمنا الدنيا أيضا ولم نقعدها حتى أوجدنا الذي نريده؛وهو شموليةالشريعة. فنحن حافظنا على المادة 219 بفضل الله كمعنى وليس المهم الألفاظ.

ثانيا: أظنك لم تقرأ المادة الثانية جيدا بديباجتها وضوابطها، لأنك لو قرأتها لعلمت أنها تلزم المشرع بأحكام الشريعة، وتمنع المحكمة الدستورية من إنشاء تفسير جديد لها.

ثالثا: أما موافقة الكنيسة، وباقى القوى العلمانية، وأنهم ليسوا بالسذاجة أن يوافقوا.

· فهذا الأمر يسألون هم عنه، لماذا وافقوا على دستور به مادة تحكم الشرع فعلا؟!!

رابعا: قولك سأسلم معك جدلا أن المادة الثانية جاءت على أحسن ما يكون، فماذا عن بقية المواد، وأنت حينما تقول نعم للدستور فسوف توافق عليه كله بجميع مواده، ولن يتاح لك أن توافق على مادة وترفض أخرى، والدستور كله وحدة واحدة لا تتجزأ.

· ومن كلامك أخي رد عليك بما أن الدستور وحدة موضوعية واحدة، فمرد هذه المواد إلى مادة الشريعة؛ إذن لا إشكال في ذلك. لاسيما بعد وجود المادة 227 بهذا الدستور،والتي لم تكن موجودة في دستور 2012،والتي تنص على أن الدستور بديباجته،وجميع نصوصه نسيجا مترابطا،وكلا لا يتجزأ،وتتكامل أحكامه في وحده موضوعية متماثلة.

خامسا: وكيف ستقابل ربك، وقد وافقت على مادة المحاكم العسكرية، والتي من الممكن أن يحاكم بسببها مسلم لأنه تشاجر مع ضابط، أو اختلف مع عامل في محطة بنزين تابعة للجيش، وماذا عن مادة أن حرية الاعتقاد مطلقة، وما موقفك حينما يروج تحت غطائها للتنصير، أو الضلال، أو الإلحاد، أو التشيع، وماذا عن مادة تمييز النصارى، والنساء، ومادة بناء الكنائس، وماذا عن تحصين وزير الدفاع، ثم ماذا عن مادة السيادة للشعب، وكلنا نعلم أن السيادة المطلقة لله، ولأحكام شريعته.

· هل هذه المواد لم تكن موجودة بدستور 2012 ووافق غالب التيار الإسلامي عليها فلماذا النكول الآن؟ وسؤالك عن مادة السيادة للشعب، فليست السيادة بمعنى الربوبية، ولا التشريع؛ لأن التشريع وفق الشريعة الإسلامية كما مر في المادة الثانية – بل المعنى أن الشعب وحده هو الذي يختار السلطات الثلاث، ولا يعنى حق التشريع للبشر.

·أما بخصوصالمادة التي تنص على أن حرية الاعتقاد مطلقة، في الدستور السابق كانت أشد من ذلك، وكانت تنص على أن حرية الاعتقاد مصونة يعني في حماية، فأيهما أشد؟ ولماذا النكول الآن؟ ومع ذلك فهذه المادة مقيده بالمادة الثانية كما نصت المادة 227 من هذا الدستور،وقد كانت مصونة في 2012 ولم يكن هناك المادة 227،وكنا نرضى بهذا،فكيف بعد تقييدها؟!

وفي المضابط تم النص على أن الاعتقاد هنا هو ما بداخلك، فإذا ما تكلمت به أو تحركت به خضعت للنظام العام؛ والنظام العام في الدستور هو الإسلام، بنص المادة الأولى دين الدولة الإسلام،وكما هو مضطرد في باب المقومات.

سادسا: قولك تذكر قول الله تعالى:{رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 17]،وقوله تعالى:{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: 113]، وسل نفسك وأنت ذاهب لتقول نعم، يا ترى من سيقول معك نفس الرأي؟ ومن سيخرج هذا اليوم ليشاركك في الموافقة؟ وللأسف لن تجد إلا النصارى، والفلول، والمفسدين، والفنانين، والراقصات، والإعلاميين، والعلمانيين، وكارهي الدين، والمغيبين، من عوام المسلمين، فهل ترضى أن تكون لهم شريكا وموافقا، ومكثرا لسوادهم؟ وتذكر أن الطيور على أشكالها تقع، وقل لي من يصفق لك أقل لك من أنت.

· هل ياترى موافقة غيري لي على ما أراه صوابا غير مخالفا للشرع، بل مقيدا به يجعلنى أرفضه لمجرد موافقتهم، بل المنطلق مختلف، والمآرب مختلفة، فموافقة الشيوعية للإسلام في تجريم الربا لا يحملني على ألا أجرمه، ولا يعني إتفاقي معهم بل المنطلق مختلف.

سابعا: المثال الذي ذكرته لو أنك مثلا رأيت رجلا يريد قتل مائة رجل من المسلمين، ففاوضته واتفقت معه بعد طول جدال على أن يقتل واحدا فقط، فذاك أمر طيب، لكن لا يجوز لك شرعا أن تقول له أنا موافق على قتل واحد، وتدعو الناس لذلك، فالقتل لواحد وإن كان أقل بكثير في السوء من القتل لمائة إلا أنه ظلم ومعصية، يحرم على مسلم الموافقة عليها، فضلا عن المشاركة فيها وتجوزيها، ودعوة الناس لها.

· هذا قياس مع الفارق لأننى لم أقتل هذا الواحد، ولم أعن على قتله ثم إنني شاركت حتى لا يقتل غيره.

ثامنا: قولك هب أن مسألة التصويت كلها محل خلاف وشبهة.

· هذايمنعك من الإنكار بل يجعلك تلتزم الصمت لأنيمعيدليل.

وأخيرا: قولك إذا قلت لي إن جميع ما تقدم من وجوه مقبول ومعقول، لكني ملتزم بقرار الدعوة والحزب، فهم أعلم مني وأدرى بالدين والمصلحة؟ فأقول لك إذن لست من السلفية في شيء، بل أنت مقلد أعمى ومتعصب أحمق.

أنت تعرف أننا معاشر السلفين من أبعد الناس عن التقليد الأعمى والتعصب الأحمق ثم إن المتعصب يسير بلا دليل ونحن لا نتحرك إلا بدليل. والحمد لله رب العالمين.