وظيفة العمر

  • 116

كنتُ أخالُ التوبة في مطلع معرفتي بطريقة الاستقامة، مسألة أعرفها، وأتعلمها، وأعلمها لغيري، ممن لا زالوا يصلون نيران البعد عن الله.
وكنتُ أخالُ أن قراري بأن انتقل من عالم الغفلة إلى عالم الاستقامة، مع بعض ملابساته أضحى كافيا لوصفي بالتائب، وأن علاقتي بالتوبة انتهت في اللحظة التي وفقني الله فيها لاتخاذ القرار.

أما عما يطرأ من الذنوب والمعاصي والتفريط بعد ذلك، فيكفي فيه الاستغفار؛ كذلك ظننتُ للأسف.

لقد كنتُ أعرف -بل وأردد -قول من يقول من العلماء: "التوبة وظيفة العمر".

ومن يقول: "التوبة واجبة في كل زمان ومكان".

كنت أعلم أن شيخ الإسلام قال: "وإني إلى الآن، أجدد كل يوم إسلامي".

كنت أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يتجاوز استغفاره في اليوم الواحد مئة مرة؛ بل في المجلس الواحد مئة مرة.

لكنني كنت أرى استغفاره لونا من الإكثار من الذكر؛ ولم أستحضر أنه كان تجديدا دائما للتوبة.

بل لقد كنت أقرأ: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ} [النور: 31].

وأقرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا} [التحريم: 8].

لكنني يبدو أنني فهمت أن الفرض أن أكون (تائبا)، أما أن أكون (توابا)، فلعلي كنت أراه نافلة.

يا الله!! شتان بين معرفة الشيء، والإحساس به وممارسته!!!

والآن وقد فهمتُ، وأدركتُ الأمر على حقيقته، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من التوابين، وأن يجعلنا من المتطهرين، وأن يتقبل توبتنا.
وكل أملي، -وأسألكم بالله أن تسألوا ربي أن يبلغني إياه -ألا يقبضني إليه إلا وهو راض عني.
وأنت.

*أما آن لك أن تكون (توابا) ، وأن تتجاوز وصف (التائب) لما هو أكمل منه.

*ماهي مساحة انشغالك بوظيفة العمر؟

*اجعل لك وردا ثابتا من مكفرات الذنوب، تزيل به دوريا ما يعلق باستقامتك، من أدران الذنوب والتقصير.

* جدد توبتك في كل لحظة، وكلما سنحت لك فرصة؛ قبل ألا تكون فرصة.

وفي هذا الصدد؛ أوصيكم بكتاب سماحة الوالد العفاني "البحار الزاخرة في أسباب المغفرة".

*وفي ختام كلماتي، أترككم مع وصيتين للنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الإطار:

الأولى:
"إِنَّ الْمُؤْمِنَ خُلِقَ مُفْتَنًا تَوَّابًا نَسِيًّا إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ" [صَحِيح الْجَامِع: 5735].

والثانية:
"إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ"[صَحِيح الْجَامِع: 1590].
قال المناوي في فيض القدير، [2/410]: "شبه الإيمان بالشيء الذي لا يستمر على هيئته، والعبد يتكلم بكلمة الإيمان، ثم يُدَنِّسُها بسوء أفعاله، فإذا عاد واعتذر، فقد جدَّدَ ما أخلق، وطَهَّرَ ما دَنَّس".