في الذكرى الثالثة لتنحيه.. مبـــــارك تاريخ أســــــود

  • 110
الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك

حكم عقودا ثلاث؛ فعاد بمصر للوراء، وابتعد بالوطن عن جذوره الإسلامية العربية الأفريقية وأدار بوجهه عن هويتها تلك، ليتخذ من البيت الأبيض قبلة يهرول إليها ويأخذ عنها، متقلدا ثوب السمع والطاعة، بعد أن أحاط نفسه بحاشية ملأ بطونها الفساد، ونطقت أفواهها النفاق، متحصنا بدولة قمعية؛ فمنع الكلام جهره وسره، بل سلب قوت أهله ليملأ به جيوب حاشيته، وفي الذكرى الثالثة لتنحيه، أسأل عن قلوب سكنها الوجع، وشباب أبكاه ما رأى لا ما سمع، في سجون تحت أراضين الوطن، وجلادين ملأ نفوسها العفن، سياط لا ترحم، سجان لا يغفر، وما الجرم إلا حب ذلك الوطن.

قال حسام عقل، عضو هيئة التدريس بجامعة عين شمس، إن ما تعيشه مصر الآن من احتقان، ومن اختلالات سياسية واقتصادية أوشكت أن تصل إلى حدود الكارثة، هي من آثار عهد مبارك وفترة حكمه، إذ أنه وعبر ثلاثة عقود من الزمن، جرف هذا الرجل المشهد السياسي وكل الإمكانات المصرية للتقدم والنهوض، بل وقتل الحياة الاقتصادية بإبقاء سيناء معلقة، دون أن يقدم أي جهد يذكر لتنمية محور قناة السويس الذي كان يمكن أن

يجعل من مصر نمرا من النمور الاقتصادية، فضلا عن أنه أصر على عدم إدخال مصر العصر النووي.
وأضاف عقل، أن مبارك قتل في المصريين معنى الإحساس بالكرامة، كما كانت ماكينة الاعتقالات في عهده تعمل في كل لحظة وساعة، فضلا عن أنه عمل على التمكين لرأس المال الاقتصادي الفاسد الذي سمم الأجواء، مشيرا أن ريادة مصر إعلاميا تآكلت في عهده، بل كان نتاج عهده أن كُبلت مصر وارتفعت معدلات الفقر والغلاء إلى مستويات غير مسبوقة، يضاف إلى هذا كله أنه على المستوى العربي والدولي، هوى بمكانة مصر الإقليمية إلى الحضيض، ولم يعد لكلمتها صدى مسموع ولا تأثير نافذ، ولم يعد لحضورها على المستوى القاري وزن يذكر، وهو ما جرأ أثيوبيا على إقامة سدودها في غير تحسب للموقف المصري أو ردة فعلها.

وعن علاقة مصر بالغرب في عهد مبارك، يقول عقل، إن من أسوا جرائم هذا المخلوع، ارتهان مصر بالمشيئة الامريكية، وارتهان قرارها السياسي برغبات واشنطن وأجندتها، فباع لهم كل شيء تقريبا ونفذ لهم كل ما أرادوا، بل يكاد أن يكون نفذ لهم فوق ما أرادوا، موضحا أن مبارك شارك في بعض المؤامرات الأمريكية للمنطقة، منها حصار قطاع غزة بإنشاء الجدار العازل وسد المعابر في وجوه الفلسطينين، والأسوا أن السودان انقسمت في عهده فعليا إلى كيانين، ناهيك عن تجرؤ بعض القوى الإقليمية والأفريقية على مصر، مضيفا أنه طوال فترة رؤساء مصر السابقين لمبارك، ما كان لأثيوبيا أن تتجرأ ولو على مجرد التفكير في التلاعب عند منابع النيل، لكن هذا الرجل جرأ على مصر كل حجر وكل بشر.

ولفت عضو هيئة التدريس، أنه عندما هبت ثورة 25 يناير في وجه مبارك، أصر هو أن يتشبث بمخالبه في كرسي السلطة للحظة الاخيرة، فسقط شهداء وأريقت دماء، ولما غادر المشهد بالعزل الشعبي القهري له، ترك البلاد مجرفة من كل شيء، وترك في النفوس مرارات ما تزال تتفاعل حتى الآن، قد نحتاج إلى سنوات لإزلة هذه المرارت من النفوس وإعادة المصريين مجددا إلى حالة الاصطفاف والسكينة والسلام الاجتماعي، مؤكدا أن ذكرى تنحي مبارك ينبغي أن تكون مدعاة لإعادة اصطفاف القوى الثورية مرة أخرى حول قيم ثورة 25 يناير، التي خرج الجميع ينادي بها بحثا عن مستقبل أفضل.

كما أشار عقل، أن هناك أرقام وإحصائيات تشهد على فساد مبارك وتاريخه الأسود، بل إنه كان يباشر الإجرام كل يوم، ففضلا عن الإجرام السياسي، يضاف إليه الإجرام الاقتصادي بإفقار مصر وانهيار مكانتها الاقتصادية والإقليمية، وارتهانها بالمشيئة الأمريكية.

وعن المزايدات حول قرار تنحي مبارك في الذكرى الثالثة له، يؤكد عقل، أن مبارك لم يتنحى طوعا، فهو من زور انتخابات ولفق اتهامات، وظل متشبثا بالسلطة حتى النزع الأخير، ولولا رؤية المؤسسة العسكرية حينها بأن مبارك سيصل بالبلاد إلى حالة الاحتراب الأهلية الشاملة وتفكك منظومة الدولة لما تنحى مبارك، بل إن قرار تنحيه قرارا لا يخصه لكنه قرار فُرض عليه من داخل المؤسسة العسكرية وما كان يستطيع أن يعارض.
واختتم عقل، أن القضية الآن لم تعد مبارك، فهذا الرجل أصبح في ذمة التاريخ، يمجده من شاء ويلعنه من شاء، وإن كانت الكثرة المطلقه تلعنه، لكن المشكلة في أن الرموز الذين صنعوا مرحلته عادوا من جديد يريدون أن يمتطوا المشهد ثانية.

ومن جانبه قال يسري العزباوي، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية، إن مبارك لم يكن يملك جديدا يمكن أن يقدمه للشعب المصري، بل صرف كل جهده ليحقق رغبته في توريث حكم مصر لنجله جمال، عن طريق تسويقه عبر مجموعة من رجال الأعمال، الذين استولوا على أغلب مقدرات الدولة وأراضيها، وكونوا ثروات كبيرة جدا وبدون وجه حق، مستغلين نفوذهم وسلطانهم، فسلبوا ما لا يستحقوه.

وأضاف العزباوي، أن عهد مبارك وحكمه لم يقف عند فساد نخبته وحسب، بل وصل إلى تحويل الدولة إلى حكم أمني قمعي، وصار نظامه شبحا بوليسيا مخيفا، فحريات الرأي والتعبير إبان حكمه بلغت أقصى درجات السلبية، وصلت إلى حد التنكيل بالمعارضين له، لا سيما في العقد الأخير من حكمه، بل تم التعدي على رموز المعارضة سواء بالسحل أو بالضرب، مشيرا إلى أن كل ما قدمه مبارك في قضية حرية الرأي والتعبير هي سياسية "التنفيس" وصناعة معارضة كرتونية، يُرسم لها الإطار الذي تعارض أو تخوض في الحديث عنه، وقد ظهرت أغلب هذه الرموز بعد ثورة يناير بشكل جلي لا مراء فيه.

أما عن التبعية للغرب، وخضوع مصر للسياسة والهيمنة الأمريكية، فيرى العزباوي، أن ذلك هو الملف الوحيد الذي حرص مبارك عليه وأولاه جل عنايته؛ فهو قد حافظ على استقرار علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني؛ ليجعل من نفسه رجل أمريكا في الشرق، مستغلا قضية الصراع العربي مع الكيان الصهيوني، وترويجه لـ "فزاعة" الإخوان، إذ تمكن مبارك من أن يصدر للغرب عامة وأمريكا خاصة، فكرة إما أنا أو الإخوان والجماعات الإرهابية.

وأكد الباحث السياسي بمركز الأهرام، أن علاقات مصر مع دول الجوار والبعد الأفريقي، قد تراجعت بشكل كبير، فمبارك قد غض الطرف عنها، لا سيما بعد انشغاله بالملف الداخلي وتوريث الحكم، بما أثر على الدور المصري في أفريقيا بشكل كبير، وتراجع دور مصر على المستوى الأفريقي والعربي، بل مبارك اهتم بعلاقته مع الغرب على حساب اهتماماته بالمحيط العربي والأفريقي.

وفي نفس السياق يقول العزباوي، إن مبارك لم يستطع أن يقدم نموذجا جديدا للحكم، بل كان يقدم ممارسات سياسية استبدادية في عهده، فضلا عن أن عهده شهد العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، والكثير من القيادات المجتمعية، كما اقتصرت سياسته مع ملف الحركات الإسلامية على الملف الأمني فحسب.

وعن قرار تنحي مبارك، يؤكد العزباوي أن مبارك أُجبر على التنحي، إلا أنه تم بشكل لائق يحفظ له ماء وجهه، مشيرا إلى أن من يحاول تجميل قرار تنحي مبارك وتوصيفه بالوطني، هو كلام باطل يراد به باطل أيضا، فمبارك حاول أن يجد لنفسه أي مخرج يمكنه من البقاء في السلطة ولكنه فشل، مؤكدا أن مبارك ذهب بلا رجعة، وأنه لا مجال الآن للتلاعب بالألفاظ ولا تواجد لمن وصفهم "المطبلاتية"، فالموضوع قد انتهى.