وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا

  • 397
أرشيفية

وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا


"وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا" قذيفة من قذائف الحق صاغها قلبُ عبد الله بنُ رواحة -رضي اللهُ عنه- ثم أطلقها لسانُه، وأقرَّها رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فردَّدها يوم الخندق، فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي اللهُ عنهما- قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ وَهْوَ يَقُولُ: «وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلَا صُمْنَا وَلَا صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا، وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا، وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا». (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

وفي رواية عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي اللهُ عنهما– قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ، وَخَنْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- رَأَيْتُهُ يَنْقُلُ مِنْ تُرَابِ الْخَنْدَقِ حَتَّى وَارَى عَنِّى الْغُبَارُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعَرِ، فَسَمِعْتُهُ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَاتِ ابْنِ رَوَاحَةَ، وَهْوَ يَنْقُلُ مِنَ التُّرَابِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا، وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا، إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا»، وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: «أَبَيْنَا أَبَيْنَا». (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

كم مِن أناس لا يصيبهم نور الهداية لأنهم لا يُوَفَّقُون لأسبابها، فيظلون يعمهون في طريق الغواية، والعياذ بالله.



ولتعلم أيها المسلم عِظَمَ نعمة الله عليك انظر في حال أساتذة الجامعات وعلماء الذرة والحاسبات والطبيعة والأحياء والكيمياء، ممن يعبدون الحجر أو البقر أو البشر رغم وضوح الحق لكل ذي عقل، فالهداية نعمة من الله -عز وجل- يمُنّ بها على من يشاء من عباده، وتأمل في حال من ماتوا على الكفر أو النفاق مع معرفتهم بأن الإسلام هو الدين الحق، وأن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ– هو النبي الخاتم، ورغم معاشرتهم للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ– ومعرفتهم به حق المعرفة، {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 20]، وتأمل أيها المسلم في حال مَن رأوا انشقاق القمر ورغم ذلك لم يؤمنوا، تُدركْ أن ما أنت فيه من نعمة الإسلام فضلٌ محضٌ من الله عليك.


وتأمل في تحوُّل عمر بن الخطاب -رضي اللهُ عنه- من شدة العداوة للإسلام وأهله إلى شدة التمسك بالإسلام حتى صار ينفر منه شياطين الجن والإنس، لقد كان في جاهليته يربط أخته فاطمة وزوجها إهانةً لهما حتى يرتدا عن الإسلام، قَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ -رضي اللهُ عنه– : «لَوْ رَأَيْتُنِى مُوثِقِى عُمَرُ عَلَى الإِسْلاَمِ، أَنَا وَأُخْتُهُ، وَمَا أَسْلَمَ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).


فليعلم المسلم أنه لولا الله تعالى ما وقف إنسانٌ موقفَ طاعة، فلولا فضل الله تعالى ما صلى لله مُصلٍّ، ولا صام صائمٌ، ولا دعا داعية، فعلى المسلم أن يضع نصب عينيه وأن يستشعر بقلبه فضلَ الله تعالى عليه ونعمتَه، وعظيمَ إحسانه إليه، وأنَّ ما به مِن نعمةِ هدايةٍ، أو صحة جسم، أو ولد، أو سَعَة رزقٍ، وغير ذلك، فمِنَ الله وحده، فهو المُنْعِم بها عليه. قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53].


قال الشيخ السعدي في تفسير قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]: «وذكر {الاستعانة} بعد {العبادة} مع دخولها فيها، لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى. فإنه إن لم يُعِنْهُ الله، لم يحصل له ما يريده مِن فِعْل الأوامر، واجتناب النواهي».


والمتأمِّل في كتاب الله يجد أن نعمة التوفيق للهداية، والوقاية من الذنوب تشمل الأنبياء -عليهم السلام-، قال تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القلم: 48 - 50]. وصاحب الحوت هو يونس -عليه السلام- لم يصبر على قومه الصبر المطلوب منه، فنادى ربه، وهو مملوء غمًّا طالبًا تعجيل العذاب لهم، فلولا أن تداركه نعمة مِن ربه بتوفيقه للتوبة وقَبولها لَطُرِح مِن بطن الحوت بالأرض الفضاء المهلكة، وهو آتٍ بما يُلام عليه، فاصطفاه ربُّه لرسالته، فجعله من الصالحين الذين صلحتْ نياتهم وأقوالهم وأعمالهم.


وقال تعالى عن يوسف عليه السلام: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 23، 24].


قال الشيخ السعدي: «هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته، وصبْرُه عليها أعظم أجرًا، لأنه صبْرُ اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوع الفعل، فقدم محبة الله عليها، وأما محنته بإخوته فصبْرُه صبْرُ اضطرار، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها طائعًا أو كارهًا، وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام بقي مكرما في بيت العزيز، وكان له من الجمال والكمال والبهاء ما أوجب ذلك، أنْ {رَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} أي: هو غلامها، وتحت تدبيرها، والمسكن واحد، يتيسر إيقاع الأمر المكروه من غير إشعار أحد، ولا إحساس بشر.


{وَ} زادت المصيبة، بأن {غَلَّقَتِ الأبْوَابَ} وصار المحلّ خاليًا، وهما آمنان من دخول أحد عليهما، بسبب تغليق الأبواب، وقد دعَتْه إلى نفسِها {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} أي: افعَل الأمرَ المكروه وأقْبِلْ إليَّ، ومع هذا فهو غريب، لا يحتشم مِثلُه ما يحتشمه إذا كان في وطنه وبين معارفه، وهو أسير تحت يدها، وهي سيدته، وفيها من الجمال ما يدعو إلى ما هنالك، وهو شاب عزَبٌ، وقد توعَّدَتْه، إن لم يفعل ما تأمره به بالسجن، أو العذاب الأليم.


فصبَر عن معصية الله، مع وجود الداعي القوي فيه، لأنه قد همَّ فيها همًّا تركه لله، وقدَّم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء، ورأى من برهان ربه -وهو ما معه من العلم والإيمان الموجب لترك كل ما حرم الله- ما أوجب له البعد والانكفاف عن هذه المعصية الكبيرة.


و {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} أي: أعوذ بالله أن أفعل هذا الفعل القبيح، لأنه مما يسخط الله ويبعد منه، ولأنه خيانة في حق سيدي الذي أكرم مثواي. فلا يليق بي أن أقابله في أهله بأقبح مقابلة، وهذا من أعظم الظلم، والظالم لا يفلح.


والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل تقوى الله، ومراعاة حق سيده الذي أكرمه، وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطاه، وكذلك ما منَّ الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه، يقتضي منه امتثال الأوامر، واجتناب الزواجر، والجامع لذلك كله أن الله صرف عنه السوء والفحشاء، لأنه من عباده المخلصين له في عباداتهم، الذين أخلصهم الله واختارهم، واختصهم لنفسه، وأسْدَى عليهم من النِّعم، وصرَف عنهم من المكاره ما كانوا به من خيار خلقه» اهـ.


ومما يجدر التنبيه عليه أن بعض أهل الإيمان أحيانًا ينخدع ببهرج أهل الباطل، فينقذهم الله تعالى بفضله، وعندما يشاهدون هلاك الظالمين يشعرون بعِظَم نعمة الله عليهم، قال تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 76 - 84].



إن الذين تمنوا حاله بالأمس أدركوا أن الله يوسِّع الرزق لمن يشاء من عباده، ويضيِّق على مَن يشاء منهم، وأدركوا أنه لولا أنَّ الله قد منَّ عليهم فلم يعاقبهم على ما قالوا لَخسف بهم كما فعل بقارون.


ونعمة الهداية يشعر بها أهل الجنة وهم فيها يتنعمون؛ فيحمدون الله تعالى على أن وفَّقهم للعمل الصالح الذي أكسبهم ما هم فيه من النعيم، وما كانوا ليُوَفَّقوا إلى سلوك الطريق المستقيم لولا أَنْ هداهم الله سبحانه لسلوك هذا الطريق، ووفَّقهم للثبات عليه، قال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 42، 43].


بل إن أحد أهل الجنة يستشعر نعمة الله سبحانه عليه في توفيقه إياه وعصمته من طاعة صديق السوء الذي قارب أن يهلكه بصَدِّه إياه عن الإيمان لو كان أطاعه، فلولا فضل ربه بهدايته إلى الإيمان وتثبيته عليه، لكان من المحضرين مع هذا الصديق في العذاب الأليم. قال تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات: 50 - 57]


وليعلم المسلم أن اللجوء إلى الله تعالى من أهم أسباب الهداية والعصمة من الذنوب، لقد لجأ يوسف –عليه السلام– إلى ربه تعالى مستعيذًا به مِن شر ومكر امرأة العزيز والنسوة، فوقاه الله كيدهن: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: 33، 34]


فعلينا –معاشر المسلمين- أن نطلب من الله تعالى أن يعيننا على أنفسنا، ولْنتأملْ هذه الوصيةَ المسلسلة، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ التُّجِيبِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ، عَنْ الصُّنَابِحِيّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَ بِيَدِهِ يَوْمًا، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ إِنِّي لَأُحِبُّكَ». فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: «بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَنَا أُحِبُّكَ». قَالَ: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ».

قَالَ: وَأَوْصَى بِذَلِكَ مُعَاذٌ: الصُّنَابِحِيَّ، وَأَوْصَى الصُّنَابِحِيُّ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَوْصَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ» (رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ، وصححه الألباني).


وعلينا -معاشر المسلمين- أن نشكر نعمة الهداية إلى الإسلام حتى نحافظ عليها وحتى يبارك الله تعالى لنا فيها؛ ويزيدنا من فضله، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، ومِن شُكْر النعمة إنفاقُها، فلنتمسك بديننا ولْنحاول نشْرَه بكل ما أوتينا من وسائل، وهي بفضل الله متاحة لمعظم المسلمين: خطابة، وعظ، هواتف بها بلوتوث لنقل الخطب والمواعظ، توزيع كتب، كتيبات، أسطوانات مدمجة، وغيرها. ولنحذر التقصير في نشر الدين الحق حتى لا يستبدلنا الله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].


واللهِ لولا اللهُ ما سُقِينَا ... ولا تنعَّمْنا بما أُوتِينَا

ولا كُنا من الذنْب شُفِينَا ... ولا كُنا إلى الحَقّ هُدِينَا