الجماعة أهدرت فرصا كادت تنجيها أو تنقذ تجربتها الضائعة

  • 120
د.محمد بديع

الجماعة أهدرت فرصا كادت تنجيها أو تنقذ تجربتها الضائعة
تعاملت بمفردها واستبعدوا الأخرين و"النور" أهم ما خسره الإخوان


تأسست جماعة الإخوان المسلمين كجماعة دعوية، ثم بطريقة أو بأخرى ولجت معترك السياسية، وخاضت معارك عدة خسرت في معظمها، أورثتها تاريخا جاوز عقودا أربع، حتي وصلت إلى أهم مرحلة في تاريخها، ووجدت نفسها أمام تجربة قد لا تتكرر لها ثانية، واتيحت لها فرصة تمنوها منذ سنينا طوال، وغضوا الطرف عمن نادى بنصحهم ومدوا لهم يد العون، وغرهم جنون السلطان، إلا أنهم ما كادوا يستلذون بنشوة السلطة حتى فوجئوا بصرخات تنادي بإنهاء حكمهم، وتهدد كراسي مناصبهم بالزوال، فما اكترثوا لذلك، وغطوا في سبات عظيم، ووضعوا أصابعهم في أذانهم، وقالوا لنا شرعية، وما ادركوا أن شرعيتهم لا تسمن ولا تغني من جوع.

قال الدكتور حسن نافعة، استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن جماعة الإخوان المسلمين لم تتعاطى بصورة جيدة مع الفرص التي اتيحت لهم، رغم أنهم كانوا شركاء في معظم جبهات العمل الوطني التي كانت قبل ثورة 25 يناير، فكانوا جزء من الجمعية الوطنية للتغيير، كما كانوا جزءا من الحملة المصرية ضد التوريث، وعلى مقربة من حركة كفاية، وبالتالي فقد كان ينظر إليهم في هذه الفترة على أنهم جزء من الحركة الوطنية المصرية التي تنشد تأسيس نظام وطني ديمقراطي، لكن للأسف الشديد في كل مرة كانت تحدث فجوة بين مصلحة الجماعة ومصلحة الوطن.
ولفت نافعة، إلى اقتصار رؤية جماعة الإخوان ونظرتها للأحداث من الزاوية التي تخدم مصلحتها أولا، بدليل دخول الجماعة الانتخابات البرلمانية الأخيرة إبان عهد المخلوع والتي كانت في عام 2010، على الرغم من أن كل مكونات الجمعية الوطنية للتغيير كانت ترى أنه من الأفضل مقاطعة هذه الانتخابات، وقد ذهب بعض الممثلين عن الوطنية للتغير إلى مرشد جماعة الإخوان لإثناءة عن قرار الجماعة خوض الانتخابات البرلمانية، إلا أنهم فشلوا في اقناع المرشد، موضحا أن المشكلة الكبري ظهرت بعد ثورة 25 يناير التي لم يفجرها الإخوان وإنما التحقوا بها، وشاركوا بها عندما تأكدوا أن حركة الجماهير بالشارع كبيرة ويمكن أن تسقط النظام، فساهموا وهم في اسقاط النظام، لكنهم للآسف فضلوا أن يعملوا بمفردهم واستبعدوا الآخرين بعد نجاح ثورة 25 يناير في اسقاط رأس النظام.

وعن الفرص التي اتيحت لجماعة الإخوان ولم يحسنوا التعامل معها، يرى نافعة، أن الإخوان تعجلوا بدخولهم في مفاوضات منفردة مع اللواء عمر سليمان قبل أن تقرر القوى الوطنية المشاركة في هذه المفاوضات من عدمه، وبالرغم من أن الجماعة رفعت شعار المشاركة لا المغالبة لكنهم من الناحية الفعلية طبقوا فكر المغالبة بدل المشاركة، مضيفا أن الإخوان قالوا أننا لن نقدم مرشحا رئاسيا وقدم مرشحا، ثم قبل إعلان النتائج وعندما اقتصرت الإعادة على الدكتور مرسي والفريق أحمد شفيق، حاولوا الالتقاء بفصائل الحركة الوطنية وأكدوا لهم أن جماعة الإخوان سيصبحون دعاة للوحدة الوطنية وسيكون الدكتور مرسي رئيسا لكل المصريين إذا فاز في الانتخابات، وبناءا عليه تم التوقيع على ما اشبه من برنامج يتكون من 6 نقاط، فالفصائل الوطنية والقوى السياسية لكي يثبتوا أنهم يريدون التعامل مع الآخرين من أجل رفعة الوطن، لكنهم في كل مرة خذلوا المصريين وحاولوا العمل بمفردهم.

وأكد استاذ العلوم السياسية، أنه كان يتعين على جماعة الإخوان بعد 30 يونيو اتخاذ قرارات صعبة، كاتخاذ قرارا شجاعا بفض اعتصامات رابعة والنهضة بارادتهم وبطريقة سلمية قبل أن يدخل في مواجهة مع الجيش كي لا يحدث أذى، ونتجنب كل الكوارث التي نحن بصددها الآن، وبالتالي فالجماعة للاسف الشديد تري أنها على حق وأن الآخرين على باطل، وهذا لن يؤدي إلى إخراج الوطن من مأزقه.
وعن دور الدولة في انهاء الظرف الراهن، طالب نافعة الدولة بأن توافق على آلية معينة لإخراج البلاد من الأزمة الحالية بصرف النظر عن المضمون لكن هذا لم يحدث بعد، وأتمنى أن يوافقوا على أي آلية من شأنها إخراج البلاد أو البحث في إخراج البلاد من هذا المأزق.

أما الدكتور عمار علي حسن، الباحث السياسي، فقال، إنه كان هناك العديد من الفرص التي اتيحت لجماعة الإخوان سواء بعد ثورة 25 يناير كنظام حاكم يمكنه تثبيت حكمه من خلال تلك الفرص، أو بعد 30/6 كنظام تم الإطاحة به واتيحت له فرصا للعودة إلى الاندماج بين فصائل القوى السياسية والوطنية، إلا أن الإخوان أهدروا تلك الفرص في كلتا الحالتين، موضحا أن أهم الفرص التي كانت قبل 25 يناير، هي فرصة تكوين التحالف الديمقراطي لخوض الانتخابات البرلمانية، والتي سرعان ما أجهضها الإخوان نتيجة الطمع في أكبر عدد من المقاعد، رافضين مطالب التحالف بالمشاركة في منظومة الحكم، وأن يكون رئيس الوزراء شخصية وطنية مستقلة، الامر الذي أدى انسحاب القوى المشاركة في هذا التحالف وإعلانها عدم المشاركة في أي تحالف مع جماعة الإخوان.

وعن توالي الفرص التي اتيحت للإخوان قبل 30/6، يرى حسن أن أكبرفرصة أجهضتها الجماعة هي الحوار مع المعارضة التي كان يقودها عمرو موسي وصباحي والبرادعي وأبو الفتوح، إذ ذهب هؤلاء إلي الدكتور مرسي لإجراء حوار وطني معه، إلا أنهم بعد أول جلسة من الحوار وصلوا إلى قناعة بأن كان يراوغ وأن جماعة الإخوان لم تكن جادة في هذا الحوار، كذلك أشار حسن إلى دعوة القوات المسلحة حينها إلى إجراء حوار بين المعاضة والسلطة بوساطة الجيش، إلا أنه وبعد موافقة مرسي رفض مرة أخري.

وأكد حسن، أن حزب النور يعد من أهم الفرص التي اتيحت لجماعة الإخوان وتم إهدارها، فالنور قد قدم للإخوان النصح، ومد له يد العون، إلا أن حزب النور لاقى تجاهل من قبل جماعة الاخوان، بل وجد نفسه مهمشا بشكل مباشر أو تدريجي، مضيفا أنه وبالرغم من دعم النور لجماعة الإخوان، إلا أن الجماعة أدارت وجهها عنه وحاولت ازاحته عن الساحة، مؤكدا أن خيرت الشاطر لعب دورا كبيرا في قسم ظهر حزب النور من خلال الانشقاق الذي أدى إلى خروج رئيسه السابق عماد عبد الغفور وأنشأ من بعده حزب الوطن، قائلا، " حتى أن التحالف وسط التيار الاسلامي أجهضه الاخوان، نتيجة أنهم كانوا غير جادين في التعامل مع الكل وكانوا يتلاعبوا بالجميع"

ولفت الباحث السياسي، إلى توالي الفرص أمام الإخوان حتي بعد 30/6، وكان أهمها خطاب الدكتور مرسي يوم 2/7 والذي عرف بخطاب الشرعية، فلو أنه استجاب لمطالب المتظاهرين ضده أو أنه أعلن عن مبادرة أو فتح باب انتخابات رئاسية مبكرة، أو إجراء استفتاء حول بقائه من عدمه، مؤكدا أن ذلك كان بأي حال من الأحوال أفضل من الحال التي وصلت اليها الجماعة حاليا.
وعن المشهد السياسي والفرص التي اتيحت للإخوان بعد بيان 3/7 وعزل الدكتور مرسي، يري حسن أن الفرص لم تتوقف عند الاطاحة بمرسي بل توالت الفرص أيضا، وكان أهمها هو التحاور أو التفاوض حول فض اعتصام "رابعة" مقابل مشاركتهم في الحياة السياسية، إلا أنهم ضيعوا هذه الفرصة مرة أخري.

وفي السياق ذاته، قال طارق السهري، وكيل مجلس الشورى السابق، إنه في بداية تجربة جماعة الإخوان السياسية بعد ثورة يناير، كان هناك نوعا من التعاون بين حزب النور والإخوان بما يخدم مصلحة الوطن والمصلحة العامة، وكان يسبق هذا التعاون نوعا من النصائح التي يقدمها حزب النور للجماعة بعدم الاستعجال، وتجنب المنافسة على تقلد منصب رئيس الجمهورية، فضلا عن عدم الدخول في مواجهات مع التيار المدني أو الليبرالي، وأن الأمور تؤخذ بالتدريج والتغيير يأتي شيئا فشيئا.

وأضاف السهري، أن مصر بلد ضخم وذات حجم كبير لا يستطيع فصيل واحد فقط أن يقوم بها، فالشعب المصري متدين بطبعه لكنه لا يقبل بأن يعاديه أحد، إلا ان استجابة جماعة الإخوان للنصائح التي قدمت لهم لم تكن استجابة بالشكل الذي يرضي الجميع أو يلبي مطالب بعض معارضيه، ثم توالت الأمور تباعا دون أن يضع لها الإخوان آليات يتمكنون بها من السير بالبلاد بالشكل الذي يجعل القوى السياسية تؤيدهم أو تكون عونا لهم.